قوله تعالى : (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) لأنه خالقهم ، فهدى من شاء ، وأضلّ من شاء ، وكذلك فضّل بعض النّبيين على بعض ، وذلك عن حكمة منه وعلم ، فخلق آدم بيده ، ورفع إدريس ، وجعل الذّرية لنوح ، واتّخذ إبراهيم خليلا ، وموسى كليما ، وجعل عيسى روحا ، وأعطى سليمان ملكا جسيما ، ورفع محمّدا صلىاللهعليهوسلم فوق السّموات ، وغفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر. يجوز أن يكون المفضّلون أصحاب الكتب ، لأنه ختم الكلام بقوله تعالى : (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً). وقد شرحنا معنى «الزّبور» في سورة النّساء (١).
(قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً (٥٦) أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً (٥٧))
قوله تعالى : (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ) في سبب نزولها قولان :
(٨٩٩) أحدهما : أنّ نفرا من العرب كانوا يعبدون نفرا من الجنّ ، فأسلم الجنّ والنّفر من العرب لا يشعرون ، فنزلت هذه الآية والتي بعدها ، روي عن ابن مسعود.
(٩٠٠) والثاني : أنّ المشركين كانوا يعبدون الملائكة ، ويقولون : هي تشفع لنا عند الله ، فلمّا ابتلوا بالقحط سبع سنين ، قيل لهم : «ادعوا الذين زعمتم» ، قاله مقاتل ، والمعنى : قل ادعوا الذين زعمتم أنهم آلهة ، (فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً) له إلى غيركم.
قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ) في المشار إليهم ب (أُولئِكَ) ثلاثة أقوال (٢) :
أحدها : أنهم الجنّ الذين أسلموا. والثاني : الملائكة ، وقد سبق بيان القولين. والثالث : أنهم المسيح ، وعزير ، والملائكة! والشّمس والقمر ، قاله ابن عباس. وفي معنى «يدعون» قولان : أحدهما : يعبدون ، أي : يدعونهم آلهة ، وهذا قول الأكثرين. والثاني : أنه بمعنى يتضرّعون إلى الله في طلب الوسيلة. وعلى هذا يكون قوله تعالى : «يدعون» راجعا إلى «أولئك» ، ويكون قوله : «يبتغون» تماما للكلام. وعلى القول الأوّل : يكون «يدعون» راجعا إلى المشركين ، ويكون قوله : «يبتغون» وصفا ل «أولئك» مستأنفا. وقرأ ابن مسعود ، وابن عباس ، وأبو عبد الرّحمن : «تدعون» بالتاء. قال ابن الأنباري : فعلى هذا ، الفعل مردود إلى قوله تعالى : (فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ) ومن قرأ «يدعون» بالياء ، قال : العرب تنصرف من الخطاب إلى الغيبة إذا أمن اللبس. ومعنى «يدعون» :
____________________________________
(٨٩٩) موقوف صحيح. أخرجه البخاري ٤٧١٥ ومسلم ٣٠٣٠ والنسائي في «التفسير» ٣٠٧ و ٣٠٨ و ٣٠٩ والطبري ٢٢٣٧٦ و ٢٢٣٨٠ عن ابن مسعود موقوفا. وانظر «تفسير القرطبي» ٤٠٣١ بتخريجنا.
(٩٠٠) عزاه المصنف لمقاتل ، وهو ممن يضع الحديث ، فخبره باطل. وحيثما أطلق مقاتل ، فهو ابن سليمان.
__________________
(١) سورة النساء : ١٦٣.
(٢) قال الطبري رحمهالله في «تفسيره» ٨ / ٩٧ : وأولى الأقوال بتأويل هذه الآية قول ابن مسعود أنهم الجن الذين أسلموا.