اعرضوا عليه صغار ذنوبه ، فتعرض عليه صغار ذنوبه ، وتنحّى عنه كبارها ، فيقال : عملت يوم كذا ، كذا وكذا ، وهو مقرّ لا ينكر ، وهو مشفق من الكبار ، فيقال : أعطوه مكان كلّ سيئة عملها حسنة» ، أخرجه مسلم في «صحيحه».
(وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتاباً (٧١) وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً (٧٢) وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً (٧٣) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً (٧٤))
قوله تعالى : (وَمَنْ تابَ) ظاهر هذه التّوبة أنها عن الذّنوب المذكورة. وقال ابن عباس : يعني : ممّن لم يقتل ولم يزن ، (وَعَمِلَ صالِحاً) فإنّي قد قدّمتهم وفضّلتهم على من قاتل نبيّي واستحلّ محارمي.
قوله تعالى : (فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتاباً) قال ابن الأنباري : معناه : من أراد التّوبة وقصد حقيقتها ، فينبغي له أن يريد الله بها ولا يخلط بها ما يفسدها ؛ وهذا كما يقول الرّجل : من تجر فإنه يتّجر في البزّ ، ومن ناظر فإنه يناظر في النّحو ، أي : من أراد ذلك ، فينبغي أن يقصد هذا الفنّ ؛ قال : ويجوز أن يكون معنى هذه الآية : ومن تاب وعمل صالحا ، فإنّ ثوابه وجزاءه يعظمان له عند ربّه الذي أراد بتوبته ، فلمّا كان قوله : (فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتاباً) يؤدّي عن هذا المعنى ، كفى منه ، وهذا كما يقول الرجل للرجل : إذا تكلّمت فاعلم أنك تكلّم الوزير ، أي تكلم من يعرف كلامك ويجازيك ، ومثله قوله تعالى : (إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ) ، أي : فإنّي أتوكّل على من ينصرني ولا يسلمني. وقال قوم : معنى الآية : فإنه يرجع إلى الله مرجعا يقبله منه.
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) فيه ثمانية أقوال (١) : أحدها : أنه الصّنم ، روى الضّحّاك عن ابن عباس أنّ الزّور صنم كان للمشركين. والثاني : أنه الغناء ، قاله محمّد ابن الحنفيّة ، ومكحول ؛ وروى ليث عن مجاهد قال : لا يسمعون الغناء. والثالث : الشّرك ، قاله الضّحّاك ، وأبو مالك. والرابع : لعب كان لهم في الجاهلية ، قاله عكرمة. والخامس : الكذب ، قاله قتادة ، وابن جريج. والسادس : شهادة الزّور ، قاله عليّ بن أبي طلحة. والسابع : أعياد المشركين ، قاله الرّبيع بن أنس. والثامن : أنه الخنا ، قاله عمرو بن قيس. وفي المراد باللّغو ها هنا خمسة أقوال (٢) : أحدها : المعاصي ، قاله الحسن. والثاني : أذى المشركين إيّاهم ، قاله مجاهد. والثالث : الباطل ، قاله قتادة. والرابع : الشّرك ، قاله الضّحّاك. والخامس : إذا ذكروا النّكاح كنّوا عنه ، قاله مجاهد. وقال محمّد بن عليّ : إذا ذكروا الفروج كنّوا عنها.
__________________
(١) قال الطبري رحمهالله في «تفسيره» ٩ / ٤٢١ : وأصل الزور تحسين الشيء ، ووصفه بخلاف صفته حتى يخيل إلى من يسمعه أو يراه ، أنه خلاف ما هو به ، والشرك قد يدخل بذلك لأنه محسن لأهله ، حتى ظنوا أنه حق ، وهو باطل ، ويدخل فيه الغناء ، لأنه أيضا مما يعنيه ترجيع الصوت حتى يستحلي سامعه سماعه ، والكذب أيضا قد يدخل فيه ، لتحسين صاحبه أنه حق ، فكل ذلك مما يدخل في معنى الزور فالتأويل : الذين لا يشهدون شيئا من الباطل ، وكل ما لزمه اسم الزور.
(٢) قال الطبري رحمهالله ٩ / ٤٢٢ : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي ، أن يقال : إن الله أخبر عن هؤلاء