مستقبلين شمال الرّيح تضربهم |
|
بحاصب كنديف القطن منثور |
وقال ابن قتيبة : الحاصب : الرّيح ، سمّيت بذلك لأنها تحصب ، أي : ترمي بالحصباء ، وهي الحصى الصّغار. وقال ابن الأنباري : قال اللغويون : الحاصب الرّيح التي فيها الحصى. وإنّما قال في الرّيح : (حاصِباً) ولم يقل : «حاصبة» لأنه وصف لزم الرّيح ولم يكن لها مذكّر تنتقل إليه في حال ، فكان بمنزلة قولهم : «حائض» للمرأة ، حين لم يقل : رجل حائض. قال : وفيه جواب آخر ، وهو أنّ نعت الرّيح عري من علامة التّأنيث ، فأشبهت بذلك أسماء المذكّر ، كما قالوا : السماء أمطر ، والأرض أنبت. والثالث : أنّ الحاصب : التّراب الذي فيه حصباء ، قاله الزّجّاج.
قوله تعالى : (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً) أي : مانعا وناصرا.
قوله تعالى : (أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ) أي : في البحر (تارَةً أُخْرى) أي : مرّة أخرى ، والجمع : تارات. (فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ) قال أبو عبيدة : هي التي تقصف كلّ شيء. قال ابن قتيبة : القاصف : الرّيح التي تقصف الشّجر ، أي : تكسره.
قوله تعالى : (فَيُغْرِقَكُمْ) وقرأ أبو المتوكّل ، وأبو جعفر ، وشيبة ، ورويس : «فتغرقكم» بالتاء ، وسكون الغين ، وتخفيف الراء. وقرأ أبو الجوزاء ، وأيوب : «فيغرّقكم» بالياء ، وفتح الغين ، وتشديدها. وقرأ أبو رجاء مثله ، إلّا أنه بالتاء (بِما كَفَرْتُمْ) أي : بكفركم حيث نجوتم في المرّة الأولى ، (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً) قال ابن قتيبة : أي : من يتبع بدمائكم ، أي : يطالبنا. قال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما : ريح العذاب أربع ، اثنتان في البرّ ، واثنتان في البحر ، فاللّتان في البرّ : الصّرصر ، والعقيم ، واللتان في البحر : العاصف ، والقاصف.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) أي : فضّلناهم. قال أبو عبيدة : و «كرّمنا» أشدّ مبالغة من «أكرمنا». وللمفسّرين فيما فضّلوا به أحد عشر قولا : أحدها : أنهم فضّلوا على سائر الخلق غير طائفة من الملائكة : جبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، وملك الموت ، وأشباههم ، قاله أبو صالح عن ابن عباس. فعلى هذا يكون المراد : المؤمنين منهم ، ويكون تفضيلهم بالإيمان. والثاني : أنّ سائر الحيوان يأكل بفيه ، إلّا ابن آدم فإنه يأكل بيده ، رواه ميمون بن مهران عن ابن عباس. وقال بعض المفسّرين : المراد بهذا التّفضيل : أكلهم بأيديهم ، ونظافة ما يقتاتونه ، إذ الجنّ يقتاتون العظام والرّوث. والثالث : فضّلوا بالعقل ، روي عن ابن عباس. والرابع : بالنّطق والتّمييز ، قاله الضّحّاك. والخامس : بتعديل القامة وامتدادها ، قاله عطاء. والسادس : بأن جعل محمّدا صلىاللهعليهوسلم منهم ، قاله محمّد بن كعب. والسابع : فضّلوا بالمطاعم واللّذّات في الدنيا ، قاله زيد بن أسلم. والثامن : بحسن الصّورة ، قاله يمان. والتاسع : بتسليطهم على غيرهم من الخلق ، وتسخير سائر الخلق لهم ، قاله محمّد بن جرير. والعاشر : بالأمر والنّهي ، ذكره الماوردي. والحادي عشر : بأن جعلت اللّحى للرجال ، والذّوائب للنساء ، ذكره الثّعلبيّ.
فإن قيل : كيف أطلق ذكر الكرامة على الكلّ ، وفيهم الكافر المهان؟ فالجواب من وجهين : أحدهما : أنه عامل الكلّ معاملة المكرم بالنّعم الوافرة. والثاني : أنه لمّا كان فيهم من هو بهذه الصّفة ، أجرى الصّفة على جماعتهم ، كقوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) (١).
__________________
(١) سورة آل عمران : ١١٠.