قوله تعالى : (وَلا فَساداً) فيه قولان : أحدهما : العمل بالمعاصي ، قاله عكرمة. والثاني : الدّعاء إلى غير عبادة الله تعالى ، قاله ابن السّائب. قوله تعالى : (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) أي : العاقبة المحمودة لهم. قوله تعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ) قد فسّرناه في سورة النّمل (١). قوله تعالى : (فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ) قال ابن عباس : يريد الذين أشركوا (إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي : إلّا جزاء عملهم من الشّرك ، وجزاؤه النّار.
(إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨٥) وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ (٨٦) وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٨٧) وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٨))
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ).
(١٠٨١) قال مقاتل : خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الغار ليلا ، فمضى من وجهه إلى المدينة فسار في غير الطريق مخافة الطّلب ؛ فلمّا أمن رجع إلى الطريق فنزل الجحفة بين مكّة والمدينة ، فعرف الطريق إلى مكّة ، فاشتاق إليها ، وذكر مولده ، فأتاه جبريل فقال : أتشتاق إلى بلدك ومولدك؟ قال : نعم ؛ قال : فإنّ الله تعالى يقول : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) ، فنزلت هذه الآية بالجحفة.
وفي معنى (فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ) ثلاثة أقوال : أحدها : فرض عليك العمل بالقرآن ، قاله عطاء بن أبي رباح ، وابن قتيبة. والثاني : أعطاك القرآن ، قاله مجاهد. والثالث : أنزل عليك القرآن ، قاله مقاتل والفرّاء وأبو عبيدة. وفي قوله تعالى : (لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) أربعة أقوال (٢) :
أحدها : إلى مكّة ، رواه العوفيّ عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد في رواية ، والضّحّاك. قال ابن قتيبة : معاد الرّجل : بلده ، لأنه يتصرّف في البلاد ويضرب في الأرض ثم يعود إلى بلده.
والثاني : إلى معادك من الجنّة ، رواه عكرمة عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، والزّهري. فإن اعترض على هذا فقيل : الرّدّ يقتضي أنه قد كان فيما ردّ إليه ؛ فعنه ثلاثة أجوبة : أحدها : أنّه لمّا كان أبوه آدم في الجنّة ثم أخرج ، كان كأنّ ولده أخرج منها ، فإذا دخلها فكأنه أعيد. والثاني : أنّه دخلها ليلة
____________________________________
(١٠٨١) عزاه المصنف لمقاتل ، وهذا معضل ، وهو بدون إسناد ، ومقاتل ساقط الرواية ، فهذا خبر لا شيء.
__________________
(١) النمل : ٨٩.
(٢) قال الطبري رحمهالله في «تفسيره» ١٠ / ١١٨ : والصواب من القول في ذلك عندي قول من قال : لرادك إلى عادتك من الموت ، أو إلى عادتك حيث ولدت اه.
وقال ابن كثير رحمهالله في «تفسيره» ٣ / ٤٩٧ : ووجه الجمع بين هذه الأقوال أن ابن عباس فسّر تارة برجوعه إلى مكة ، وهو الفتح الذي هو عند ابن عباس أمارة على اقتراب أجل النبي صلىاللهعليهوسلم ، كما فسر سورة (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) : أنه أجل النبي صلىاللهعليهوسلم نعي إليه ووافقه عمر بن الخطاب ، وتارة أخرى فسّر ابن عباس قوله تعالى : (لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) بالموت ، وتارة بعد الموت الذي هو يوم القيامة.