والثاني : أنّ الآية في قريتهم إلى الآن أنّ أساسها أعلاها وسقوفها أسفلها ، أسفلها ، حكاه أبو سليمان الدّمشقي.
والثالث : أنّ المعنى : تركناها آية ، تقول : إنّ في السماء لآية ، تريد أنها هي الآية ، قاله الفرّاء.
(وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٣٦) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٣٧))
قوله تعالى : (وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ) قال المفسّرون : اخشوا البعث الذي فيه جزاء الأعمال.
(وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (٣٨) وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ (٣٩) فَكُلاًّ أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٠))
قوله تعالى : (وَعاداً وَثَمُودَ) قال الزّجّاج : وأهلكنا عادا وثمودا ، لأنّ قبل هذا (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ). قوله تعالى : (وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ) أي : ظهر لكم يا أهل مكّة من منازلهم بالحجاز واليمن آية في هلاكهم ، (وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) قال الفرّاء : أي : ذوي بصائر. وقال الزّجّاج : أتوا ما أتوه وقد تبيّن لهم أنّ عاقبته عذابهم. وقال غيره : كانوا عند أنفسهم مستبصرين يظنّون أنهم على حقّ.
قوله تعالى : (وَما كانُوا سابِقِينَ) أي : ما كانوا يفوتون الله تعالى أن يفعل بهم ما يريد.
قوله تعالى : (فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ) أي : عاقبنا بتكذيبه (فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً) يعني قوم لوط (وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ) يعني ثمودا وقوم شعيب (وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ) يعني قارون وأصحابه (وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا) يعني قوم نوح وفرعون (وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) فيعذّبهم على غير ذنب (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) بالإقامة على المعاصي.
(مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٤١) إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤٢) وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلاَّ الْعالِمُونَ (٤٣))
قوله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ) يعني الأصنام يتّخذها المشركون أولياء يرجون نفعها ونصرها ، فمثلهم في ضعف احتيالهم (كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً) قال ثعلب : والعنكبوت أنثى ، وقد يذكرها بعض العرب ، قال الشاعر :
كأنّ العنكبوت هو ابتناها (١)
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) أي : هو عالم بما عبدوه من دونه ، لا
__________________
(١) هو عجز بيت وصدره : على هطّالهم منهم بيوت ، والبيت غير منسوب في «اللسان» ـ عنكب ـ.