رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ألا احتطت ، فإنّ البضع ما بين السّبع والتسع». وذكر بعضهم أنهم ضربوا الأجل خمس سنين ، وقال بعضهم : ثلاث سنين ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّما البضع ما بين الثلاث إلى التّسع» فخرج أبو بكر فقال لهم : أزايدكم في الخطر وأمدّ في الأجل إلى تسع سنين ، ففعلوا ، فقهرهم أبو بكر ، وأخذ رهانهم. وفي الذي تولّى وضع الرّهان من المشركين قولان : أحدهما : أبيّ بن خلف ، قاله قتادة. والثاني : أبو سفيان بن حرب ، قاله السّدّيّ.
قوله تعالى : (فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) وقرأ أبيّ بن كعب ، والضّحّاك ، وأبو رجاء ، وابن السّميفع : «في أداني الأرض» بألف مفتوحة الدال ؛ أي : أقرب الأرض أرض الرّوم إلى فارس. قال ابن عباس : وهي طرف الشّام. وفي اسم هذا المكان ثلاثة أقوال : أحدها : أنه الجزيرة ، وهي أقرب أرض الرّوم إلى فارس ، قاله مجاهد. والثاني : أذرعات وكسكر ، قاله عكرمة. والثالث : الأردن وفلسطين ، قاله السّدّيّ. قوله تعالى : (وَهُمْ) يعني الرّوم (مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ) وقرأ أبو الدّرداء ، وأبو رجاء ، وعكرمة ، والأعمش : «غلبهم» بتسكين اللام ؛ أي : من بعد غلبة فارس إيّاهم ، والغلب والغلبة لغتان ، (سَيَغْلِبُونَ) فارس (فِي بِضْعِ سِنِينَ) ، في البضع تسعة أقوال قد ذكرناها في يوسف (١). قال المفسّرون : وهي ها هنا سبع سنين ، وهذا من علم الغيب الذي يدلّ على أنّ القرآن حقّ ، (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) أي : من قبل أن تغلب الرّوم ومن بعد ما غلبت ؛ والمعنى أنّ غلبة الغالب وخذلان المغلوب ، بأمر الله عزوجل وقضائه (وَيَوْمَئِذٍ) يعني يوم غلبت الرّوم فارس (يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤) بِنَصْرِ اللهِ) للرّوم. وكان التقاء الفريقين في السّنة السابعة من غلبة فارس إيّاهم ، فغلبتهم الرّوم ، وجاء
____________________________________
عبد الله بن عبد الرحمن الجمحي. ولحديث ابن عباس طريق آخر ، أخرجه الترمذي ٣١٩٣ والنسائي في «الكبرى» ١١٣٨٩ وفي «التفسير» ٤٠٩ وأحمد ١ / ٢٧٦ ـ ٣٠٤ والحاكم ٢ / ٤١٠ والطبراني ١٢ / ١٢٣٧٧ والطبري ٢٧٨٦٥ والبيهقي في «الدلائل» ٢ / ٣٣٠ ـ ٣٣١ من طرق عن أبي إسحاق الفزاري عن الثوري عن حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به. وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم ، أبو إسحاق هو إبراهيم بن محمد الحارث روى له الشيخان ، ومن دونه توبعوا ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم ، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي ، وقال الترمذي : حسن صحيح. وهذا المتن أصح شيء في الباب ، ولأصله شواهد كثيرة منها الآتي لكن في بعض ألفاظها نكارة وغرابة أحيانا. وله طريق آخر ، أخرجه الطبري ٢٧٨٦٧ ، وفي الإسناد مجاهيل ، وفيه أيضا عطية العوفي ، وهو واه. وله شاهد عن ابن مسعود ، أخرجه الطبري ٢٧٨٧٦ ، وفيه إرسال بين الشعبي وابن مسعود ، ورجال الإسناد ثقات. وله شاهد عن البراء بن عازب ، أخرجه أبو يعلى كما في «المطالب العالية» ٣٦٩٨ ، وابن أبي حاتم كما في «تفسير ابن كثير» ٣ / ٥٢٢ وإسناده ضعيف ، فيه مؤمل بن إسماعيل ، وضعفه غير واحد لسوء حفظه. وفي الباب مراسيل تشهد لأصله منها : مرسل عكرمة : أخرجه الطبري ٢٧٨٧٢ وكرره ٢٧٨٧٣. مرسل قتادة : أخرجه الطبري ٢٧٨٧٤. مرسل ابن زيد : أخرجه الطبري ٢٧٨٧٨.
ـ الخلاصة هو حديث صحيح ، له شواهد وطرق كما ترى ، وفي بعض ألفاظ تلك الشواهد والطرق نكارة أحيانا وغرابة أحيانا أخرى ، لكن مع ذلك تشهد لأصل هذا الحديث : وتدل على ثبوته ، والله أعلم.
ـ وانظر «تفسير القرطبي» ٤٨٨٩ و ٤٨٠ و ٤٨٩١ و «فتح القدير» ١٩٠٠ و ١٩٠١ و ١٩٠٢ و ١٩٠٣ و «أحكام القرآن» ١٧٣٧ وهي جميعا بتخريجنا ، والله الموفق.
__________________
(١) يوسف : ٤٢.