ولم تقاتل يومئذ. وقيل : إنّ الملائكة جعلت تقلع أوتادهم وتطفئ نيرانهم وتكبّر في جوانب عسكرهم ، فاشتدّت عليهم ، فانهزموا من غير قتال.
قوله تعالى : (لَمْ تَرَوْها) وقرأ النّخعيّ ، والجحدري ، والجوني ، وابن السّميفع : «لم يروها» بالياء (وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً) وقرأ أبو عمرو : «يعملون» بالياء.
(إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا (١٠) هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً (١١) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً (١٢))
قوله تعالى : (إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) أي : من فوق الوادي ومن أسفله (وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ) أي : مالت وعدلت ، فلم تنظر إلى شيء إلّا إلى عدوّها مقبلا من كلّ جانب (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) وهي جمع حنجرة. والحنجرة : جوف الحلقوم. قال قتادة : شخصت عن مكانها ، فلو لا أنّه ضاق الحلقوم عنها أن تخرج لخرجت. قال غيره : المعنى أنهم جبنوا وجزع أكثرهم ؛ وسبيل الجبان إذا اشتدّ خوفه أن تنتفخ رئته فيرتفع حينئذ القلب إلى الحنجرة ، وهذا المعنى مرويّ عن ابن عباس والفرّاء. وذهب ابن قتيبة إلى أنّ المعنى : كادت القلوب تبلغ الحلوق من الخوف. وقال ابن الأنباري : «كاد» لا يضمر ولا يعرف معناه إذا لم ينطق به. قوله تعالى : (وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا) قال الحسن : اختلفت ظنونهم ، فظنّ المنافقون أنّ محمّدا عليهالسلام وأصحابه يستأصلون ، وظنّ المؤمنون أنه ينصر. قرأ ابن كثير ، والكسائيّ ، وحفص عن عاصم : «الظّنونا» و «الرّسولا» (١) و «السّبيلا» (٢) بألف إذا وقفوا عليهنّ ، وبطرحها في الوصل. وقال هبيرة عن حفص عن عاصم : وصل أو وقف بألف. وقرأ نافع ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم : بالألف فيهنّ وصلا ووقفا. وقرأ أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائيّ : بغير ألف في وصل ولا وقف. قال الزّجّاج : والذي عليه حذّاق النّحويين والمتّبعون السّنّة من قرّائهم أن يقرءوا : «الظّنونا» ويقفون على الألف ولا يصلون ؛ وإنما فعلوا ذلك ، لأنّ أواخر الآيات عندهم فواصل يثبتون في آخرها الألف في الوقف.
قوله تعالى : (هُنالِكَ) أي : عند ذلك (ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ) أي : اختبروا بالقتال والحصر ليتبيّن المخلص من المنافق (وَزُلْزِلُوا) أي : أزعجوا وحرّكوا بالخوف ، فلم يوجدوا إلّا صابرين. وقال الفرّاء : حرّكوا إلى الفتنة تحريكا ، فعصموا.
قوله تعالى : (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) فيه قولان : أحدهما : أنه الشّرك ، قاله الحسن. والثاني : النّفاق ، قاله قتادة ، (ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً) قال المفسّرون : قالوا يومئذ : إنّ محمّدا يعدنا أن نفتح مدائن كسرى وقيصر وأحدنا لا يستطيع أن يجاوز رحله! هذا والله الغرور. وزعم ابن السّائب أنّ القائل هذا معتّب بن قشير.
(وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا
__________________
(١) الأحزاب : ٦٦.
(٢) الأحزاب : ٦٧.