أنه أراد الظّرف ، ولو أراد صفة الساعة بعينها ، لقال : قريبة ، هذا قول أبي عبيدة. والثاني : أنّ المعنى راجع إلى البعث ، أو إلى مجيء الساعة. والثالث : أنّ تأنيث الساعة غير حقيقي ، ذكرهما الزّجّاج. وما بعد هذا قد سبق بيان ألفاظه (١).
فأمّا قوله تعالى : (وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا) فقال الزّجّاج : الاختيار الوقف بألف ، لأنّ أواخر الآي وفواصلها تجري مجرى أواخر الأبيات ، وإنما خوطبوا بما يعقلونه من الكلام المؤلّف ليدلّ بالوقف بزيادة الحرف أنّ الكلام قد تمّ ، وقد أشرنا إلى هذا في قوله تعالى : (الظُّنُونَا) (٢).
قوله تعالى : (أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا) أي : أشرافنا وعظماءنا. قال مقاتل : هم المطعمون في غزاة بدر. وكلّهم قرءوا : «سادتنا» على التوحيد ، غير ابن عامر ، فإنه قرأ : «ساداتنا» على الجمع مع كسر التاء ، ووافقه المفضّل ، ويعقوب ، إلّا أبا حاتم (فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) أي : عن سبيل الهدى ، (رَبَّنا آتِهِمْ) يعنون السّادة (ضِعْفَيْنِ) أي : ضعفي عذابنا ، (وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائيّ : «كثيرا» بالثاء. وقرأ عاصم ، وابن عامر : «كبيرا». وقال أبو علي : الكثرة أشبه بالمرار المتكررة من الكبر.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً (٦٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (٧١))
قوله تعالى : (لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى) أي : لا تؤذوا محمّدا كما آذى بنو إسرائيل موسى فينزل بكم ما نزل بهم ، وفي ما آذوا به موسى أربعة أقوال :
(١١٨٠) أحدها : أنهم قالوا : هو آدر ، فذهب يوما يغتسل ، ووضع ثوبه على حجر ، ففرّ الحجر
____________________________________
(١١٨٠) صح مرفوعا وموقوفا ، فالله أعلم. أخرجه البخاري ٣٤٠٤ والترمذي ٣٢٢١ والبغوي في «معالم التنزيل» ٣ / ٥٤٥ من طريق روح بن عبادة عن عوف عن الحسن ومحمد وخلاس عن أبي هريرة مرفوعا. وإسناده فيه لين ، روح بن عبادة ، وإن وثقه غير واحد ، فقد قال أبو حاتم : لا يحتج به ، وقال النسائي : ليس بالقوي ، وقال يعقوب بن شيبة : سمعت عفان لا يرضى أمر روح بن عبادة. هذا شيء. والشيء الثاني : الحسن لم يسمع من أبي هريرة. وكذا خلاس فيما قال أحمد. قال الحافظ في «الفتح» ٦ / ٤٣٧ : قال أبو داود عن أحمد : لم يسمع خلاس من أبي هريرة. قال الحافظ : وما له في البخاري غير هذا الحديث ، وقد أخرجه له مقرونا بغيره ، وله حديث آخر مقرون بمحمد بن سيرين. قلت : وكأن روح اضطرب في هذا الحديث. فقد أخرجه أحمد ٢ / ٥١٤ ـ ٥١٥ عن روح عن عوف عن الحسن عن النبي صلىاللهعليهوسلم وخلاس ومحمد عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم.
فجعل رواية الحسن مرسلة. وهكذا أخرجه الطبري ٢٨٦٧٤ من طريق ابن أبي عدي عن عوف عن الحسن مرسلا. وأخرجه الطبري ٢٨٦٧٣ والطحاوي في «المشكل» ٦٧ عن روح عن عوف عن محمد ـ ابن سيرين ـ عن أبي هريرة. وأخرجه النسائي في «التفسير» ٤٤٤ و «الكبرى» ١١٤٢٤ من طريق روح عن عوف عن خلاس عن أبي هريرة مرفوعا ، وتقدم عن أحمد قوله : خلاس لم يسمع من أبي هريرة. وكرره النسائي ١١٤٢٥ وفي «التفسير» ٤٤٥ من طريق النضر عن عوف بمثله. وعلى هذا فقد توبع روح ، لكن هذا الإسناد معلول بسبب ـ
__________________
(١) البقرة : ١٥٩ ـ النساء : ١٠ ـ الإسراء : ٩٧.
(٢) الأحزاب : ١.