من مكانهم يوم بدر ، قاله زيد بن أسلم. والثاني : من تحت أقدامهم بالخسف ، قاله مقاتل. والثالث : من القبور ، قاله ابن قتيبة. وأين كانوا فهم من الله قريب.
قوله تعالى : (وَقالُوا) أي : حين عاينوا العذاب (آمَنَّا بِهِ) في هاء الكناية أربعة أقوال :
أحدها : أنها تعود إلى الله عزوجل ، قاله مجاهد. والثاني : إلى البعث ، قاله الحسن. والثالث : إلى الرّسول ، قاله قتادة. والرابع : إلى القرآن ، قاله مقاتل.
قوله تعالى : (وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وابن عامر ، وحفص عن عاصم : «التّناوش» غير مهموز. وقرأ أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائيّ ، والمفضّل عن عاصم : بالهمز. قال الفرّاء : من همز جعله من «نأشت» ، ومن لم يهمز ، جعله من «نشت» ، وهما متقاربان ؛ والمعنى : تناولت الشيء ، بمنزلة : ذمت الشيء وذأمته : إذا عبته ؛ وقد تناوش القوم في القتال : إذا تناول بعضهم بعضا بالرّماح ، ولم يتدانوا كلّ التّداني ، وقد يجوز همز «التّناؤش» وهي من «نشت» لانضمام الواو ، مثل قوله تعالى : (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ) (١). وقال الزّجّاج : من همز «التّناؤش» فلأنّ واو التّناوش مضمومة ، وكلّ واو مضمومة ضمّتها لازمة ، إن شئت أبدلت منها همزة ، وإن شئت لم تبدل نحو : أدؤر. وقال ابن قتيبة : معنى الآية : وأنّى لهم التّناوش لما أرادوا بلوغه ، وإدراك ما طلبوا من التّوبة (مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) وهو الموضع الذي تقبل فيه التّوبة. وكذلك قال المفسّرون : أنّى لهم بتناول الإيمان والتّوبة وقد تركوا ذلك في الدنيا والدنيا قد ذهبت؟! قوله تعالى : (وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ) في هاء الكناية أربعة أقوال قد تقدّمت في قوله تعالى : (آمَنَّا بِهِ) ، ومعنى (مِنْ قَبْلُ) أي : في الدنيا من قبل معاينة أهوال الآخرة (وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ) أ : يرمون بالظّنّ (مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) وهو بعدهم عن العلم بما يقولون. وفي المراد بمقالتهم هذه ثلاثة أقوال : أحدها : أنهم يظنّون أنهم يردّون إلى الدنيا ، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثاني : أنه قولهم في الدنيا : لا بعث لنا ولا جنّة ولا نار ، قاله الحسن ، وقتادة. والثالث : أنه قولهم عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : هو ساحر ، هو كاهن ، هو شاعر ، قاله مجاهد.
قوله تعالى : (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ) أي : منع هؤلاء الكفّار ممّا يشتهون ، وفيه ستة أقوال : أحدها : أنه الرّجوع إلى الدنيا ، قاله ابن عباس. والثاني : الأهل والمال والولد ، قاله مجاهد. والثالث : الإيمان ، قاله الحسن. والرابع : طاعة الله ، قاله قتادة. والخامس : التّوبة. قاله السّدّيّ. والسادس : حيل بين الجيش الذي خرج لتخريب الكعبة وبين ذلك بأن خسف بهم ، قاله مقاتل (٢).
قوله تعالى : (كَما فُعِلَ) وقرأ ابن مسعود ، وأبيّ بن كعب ، وأبو عمران : «كما فعل» بفتح الفاء والعين (بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ) قال الزّجّاج : أي : بمن كان مذهبه مذهبهم. قال المفسّرون : والمعنى : كما فعل بنظرائهم من الكفّار ، من قبل هؤلاء ، فإنهم حيل بينهم وبين ما يشتهون. وقال الضّحّاك : هم أصحاب الفيل حين أرادوا خراب الكعبة (إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍ) من البعث ونزول العذاب بهم (مُرِيبٍ) أي : موقع للرّيبة والتّهمة. والله أعلم بالصّواب.
__________________
(١) المرسلات : ١١.
(٢) لا يصح كما تقدّم.