قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ) قال المفسّرون : الخطاب لأهل مكّة ، و «اذكروا» بمعنى احفظوا ، ونعمة الله عليهم : إسكانهم الحرم ومنع الغارات عنهم. (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) وقرأ حمزة والكسائيّ : «غير الله» بخفض الراء ، قال أبو عليّ : جعلاه صفة على اللفظ ، وذلك حسن لإتباع الجرّ. وهذا استفهام تقرير وتوبيخ ؛ والمعنى : لا خالق سواه (يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ) المطر (وَ) من (الْأَرْضِ) النّبات. وما بعد هذا قد سبق بيانه (١) إلى قوله تعالى : (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ) أي : إنه يريد هلاككم (فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) أي : أنزلوه من أنفسكم منزلة الأعداء ، وتجنّبوا طاعته (إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ) أي : شيعته إلى الكفر (لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ).
(أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ (٨) وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ (٩))
قوله تعالى : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال :
(١١٨٧) أحدها : أنها نزلت في أبي جهل ومشركي مكّة ، قاله ابن عباس.
والثاني : في أصحاب الأهواء والملل التي خالفت الهدى ، قاله سعيد بن جبير. والثالث : أنهم اليهود والنّصارى والمجوس ، قاله أبو قلابة. فإن قيل : أين جواب «أفمن زيّن له»؟. فالجواب من وجهين : ذكرهما الزّجّاج. أحدهما : أنّ الجواب محذوف ؛ والمعنى : أفمن زيّن له سوء عمله كمن هداه الله؟ ويدلّ على هذا قوله تعالى : (فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ). والثاني : أنّ المعنى : أفمن زيّن له سوء عمله فأضلّه الله ذهبت نفسك عليهم حسرات؟! ويدلّ على هذا قوله تعالى : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ). وقرأ أبو جعفر : «فلا تذهب» بضمّ التاء وكسر الهاء «نفسك» بنصب السين. وقال ابن عباس : لا تغتمّ ولا تهلك نفسك حسرة على تركهم الإيمان. قوله تعالى : (فَتُثِيرُ سَحاباً) أي : تزعجه من مكانه ؛ وقال أبو عبيدة : تجمعه وتجيء به ، و «سقناه» بمعنى «نسوقه» ؛ والعرب قد تضع «فعلنا» في موضع «نفعل» ؛ وأنشدوا :
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا |
|
منّي وما سمعوا من صالح دفنوا (٢) |
المعنى : يطيروا ويدفنوا.
قوله تعالى : (كَذلِكَ النُّشُورُ) وهو الحياة ، وفي معنى الكلام قولان :
أحدهما : كما أحيا الله الأرض بعد موتها يحيي الموتى يوم البعث.
____________________________________
(١١٨٧) واه بمرة. ورد في «أسباب النزول» للسيوطي ٩٢٨ برواية جويبر عن الضحاك عن ابن عباس ، وهذا سند تالف ، جويبر متروك ، والضحاك لم يلق ابن عباس. والصحيح عموم الآية.
__________________
(١) البقرة : ٢١٠ ، آل عمران : ١٨٤ ، لقمان : ٣٣.
(٢) البيت لقعنب بن أم صاحب كما في «اللسان» ـ أذن ـ وقد سبق تخريجه.