(١١٩٦) قال مقاتل بن سليمان : حلف أبو جهل لئن رأى النبيّ صلىاللهعليهوسلم يصلّي ليدمغنّه ، فجاءه وهو يصلّي ، فرفع حجرا فيبست يده والتصق الحجر بيده ، فرجع إلى أصحابه فأخبرهم الخبر ، فقام رجل منهم فأخذ الحجر ، فلمّا دنا من رسول الله صلىاللهعليهوسلم طمس الله على بصره فلم يره ، فرجع إلى أصحابه فلم يبصرهم حتى نادوه ، فنزل في أبي جهل : (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً) الآية. ونزل في الآخر : (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا).
والقول الثالث : أنه على حقيقته ، إلّا أنّه وصف لما سينزله الله تعالى بهم في النار ، حكاه الماوردي.
قوله تعالى : (فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ) قال الفرّاء : «فهي» كناية عن الأيمان ، ولم تذكر ، لأنّ الغلّ لا يكون إلّا في اليمين والعنق جامعا لهما ، فاكتفي بذكر أحدهما عن صاحبه. وقال الزّجّاج : «هي» كناية عن الأيدي ، ولم يذكرها إيجازا ، لأنّ الغلّ يتضمّن اليد والعنق ، وأنشد :
وما أدري إذا يمّمت أرضا |
|
أريد الخير أيّهما يليني |
وإنما قال : أيّهما ، لأنه قد علم أنّ الخير والشرّ معرّضان للإنسان. قال الفرّاء : والذّقن : أسفل اللحيين ، والمقمح : الغاضّ بصره بعد رفع رأسه. قال أبو عبيدة : كلّ رافع رأسه فهو مقامح وقامح ، والجمع : قماح ، فإن فعل ذلك بإنسان فهو مقمح ، ومنه هذه الآية. وقال ابن قتيبة : يقال : بعير قامح ، وإبل قماح : إذا رويت من الماء فقمحت ، قال الشاعر ـ وذكر سفينة ـ :
ونحن على جوانبها قعود |
|
نغضّ الطّرف كالإبل القماح (١) |
وقال الأزهري : المراد أنّ أيديهم لمّا غلّت عند أعناقهم ، رفعت الأغلال أذقانهم ورؤوسهم ، فهم مرفوعو الرؤوس برفع الأغلال إيّاها.
قوله تعالى : (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا) قرأ حمزة ، والكسائيّ ، وحفص عن عاصم : بفتح السين ، والباقون : بضمّها ، وقد تكلّمنا على الفرق بينهما في سورة الكهف (٢). وفي معنى الآية قولان : أحدهما : منعناهم عن الإيمان بموانع ، فهم لا يستطيعون الخروج عن الكفر. والثاني : حجبناهم عن أذى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالظّلمة لمّا قصدوه بالأذى.
____________________________________
(١١٩٦) عزاه المصنف لمقاتل بن سليمان ، وهو ممن يضع الحديث. وأخرجه أبو نعيم في «دلائل النبوة» ١٥٦ من طريق إسحاق عن بعض أهل العلم عن سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس مطوّلا بنحوه ، وليس فيه ذكر رجل ، ولا ذكر نزول الآية ، وإسناده ضعيف فيه من لم يسمّ. وأخرج أبو نعيم ١٥٢ من طريق المعتمر بن سليمان عن أبيه : أن رجلا من بني مخزوم قام إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وفي يده مهز ، ليرمي به رسول الله صلىاللهعليهوسلم ...». وهذا مرسل. وليس فيه أن الآية نزلت بسبب ذلك. وأخرج الطبري ٢٩٠٦٤ عن عكرمة مرسلا «قال أبو جهل : لئن رأيت محمدا لأفعلن ، ولأفعلن» فأنزلت (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً ...).
وانظر «صحيح البخاري» ٤٩٥٨ حديث ابن عباس قال : قال أبو جهل : لئن رأيت محمدا يصلي عند الكعبة لأطأنّ على عنقه. فبلغ النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : «لو فعله لأخذته الملائكة».
__________________
(١) البيت لبشر بن أبي خازم الأسدي ، كما في «تفسير القرطبي» ١٥ / ١٢ و «اللسان» ـ قمح ـ.
(٢) الكهف : ٩٤.