«الحكيم» (١) ، قال الزّجّاج : وجوابه : (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) ؛ وأحسن ما جاء في العربيّة أن يكون «لمن المرسلين» خبر «إنّ» ، ويكون قوله تعالى : (عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) خبرا ثانيا ، فيكون المعنى : إنّك لمن المرسلين ، إنّك على صراط مستقيم. ويجوز أن يكون «على صراط» من صلة «المرسلين» ، فيكون المعنى : إنّك لمن المرسلين الذين أرسلوا على طريقة مستقيمة. قوله تعالى : (تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو : «تنزيل» برفع اللام. وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائيّ : «تنزيل» بنصب اللام. وعن عاصم كالقراءتين. قال الزّجّاج : من قرأ بالنّصب ، فعلى المصدر ، على معنى : نزّل الله ذلك تنزيلا ، ومن قرأ بالرفع ، فعلى معنى : الذي أنزل إليك تنزيل العزيز. وقال الفرّاء : من نصب ، أراد : إنّك لمن المرسلين تنزيلا حقّا منزلا ويكون الرفع على الاستئناف ، كقوله : «ذلك تنزيل العزيز». وقرأ أبيّ بن كعب ، وأبو رزين ، وأبو العالية ، والحسن ، والجحدري : «تنزيل» بكسر اللام. وقال مقاتل : هذا القرآن تنزيل العزيز في ملكه ، الرّحيم بخلقه.
قوله تعالى : (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ) في «ما» قولان : أحدهما : أنها نفي ، وهو قول قتادة والزّجّاج في الأكثرين. والثاني : أنها بمعنى «كما» ، قاله مقاتل. وقيل : هي بمعنى «الذي».
قوله تعالى : (فَهُمْ غافِلُونَ) أي : عن حجج التوحيد وأدلّة البعث.
(لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٧) إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (٨) وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (٩) وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠) إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (١١) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ (١٢))
(لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ) فيه قولان : أحدهما : وجب العذاب. والثاني : سبق القول بكفرهم.
قوله تعالى : (عَلى أَكْثَرِهِمْ) يعني أهل مكّة ، وهذه إشارة إلى إرادة الله تعالى السّابقة لكفرهم (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) لما سبق من القدر بذلك. (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً) فيه ثلاثة أقوال (٢) : أحدها : أنها مثل ، وليس هناك غلّ على حقيقة ، قاله أكثر المحققين ، ثم لهم فيه ثلاثة أقوال : أحدها : أنها مثل لمنعهم عن كلّ خير ، قاله قتادة. والثاني : لحبسهم عن الإنفاق في سبيل الله بموانع كالأغلال ، قاله الفرّاء ، وابن قتيبة. والثالث : لمنعهم من الإيمان بالله ، قاله أبو سليمان الدّمشقي. والقول الثاني : أنها موانع حسّيّة منعت ما يمنع الغلّ.
__________________
(١) البقرة : ٣٢.
(٢) قال ابن كثير في «تفسيره» ٣ / ٦٩٢ : يقول الله تعالى : إنا جعلنا هؤلاء المحتوم عليهم بالشقاء نسبتهم إلى الوصول إلى الهدى كنسبة من جعل في عنقه غلّ ، فجمع يديه مع عنقه تحت ذقنه ، فارتفع رأسه فصار مقمحا ، ولهذا قال : (فَهُمْ مُقْمَحُونَ) ، والمقمح هو الرافع رأسه ، كما قالت أم زرع في كلامها : «وأشرب فأتقمح» ، أي : أشرب فأروى ، وأرفع رأسي تهنيئا وترويا. واكتفى بذكر الغل في العنق عن ذكر اليدين ، وإن كانتا مرادتين ، لما كان الغل إنما يعرف فيما جمع اليدين مع العنق ، اكتفى بذكر العنق عن اليدين.