الياء في الحالين يعقوب ، وورش ، والمعنى : لا يخلّصوني من ذلك المكروه. (إِنِّي إِذاً) فتح هذه الياء نافع ، وأبو عمرو.
قوله تعالى : (إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ) فتح هذه الياء أهل الحجاز وأبو عمرو. وفيمن خاطبهم بإيمانه قولان : أحدهما : أنه خاطب قومه بذلك ، قاله ابن مسعود. والثاني : أنه خاطب الرّسل. ومعنى (فَاسْمَعُونِ) : اشهدوا لي بذلك ، قاله الفرّاء. وقال أبو عبيدة : المعنى : فاسمعوا منّي. وأثبت ياء «فاسمعوني» في الحالين يعقوب. قال ابن مسعود : لمّا خاطب قومه بذلك ، وطئوه بأرجلهم. وقال السّدّيّ : رموه بالحجارة ، وهو يقول : اللهمّ اهد قومي.
قوله تعالى : (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ) لمّا قتلوه فلقي الله عزوجل ، قيل له : (ادْخُلِ الْجَنَّةَ) ، فلمّا دخلها (قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي) ، وفي «ما» قولان :
أحدهما : أنها مع «غفر» في موضع مصدر ؛ والمعنى بغفران الله لي. والثاني : أنها بمعنى «الذي» ، فالمعنى : ليتهم يعلمون بالذي غفر لي به ربّي فيؤمنون ، فنصحهم حيّا وميتا.
فلمّا قتلوه عجّل الله لهم العذاب ، فذلك قوله تعالى : (وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ) يعني قوم حبيب (مِنْ بَعْدِهِ) أي : من بعد قتله (مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ) يعني الملائكة ، أي : لم ينتصر منهم بجند من السّماء (وَما كُنَّا) ننزلهم على الأمم إذا أهلكناهم. وقيل : المعنى : ما بعثنا إليهم بعده نبيّا ، ولا أنزلنا عليهم رسالة. (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) قال المفسّرون : أخذ جبريل عليهالسلام بعضادتي باب المدينة ثم صاح بهم صيحة واحدة فإذا هم ميّتون لا يسمع لهم حسّ كالنّار إذا طفئت ، وهو قوله تعالى : (فَإِذا هُمْ خامِدُونَ) أي : ساكنون كهيئة الرّماد الخامد.
(يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٠) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ (٣١) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٣٢) وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (٣٣) وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ (٣٤) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ (٣٥) سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (٣٦))
قوله تعالى : (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ) قال الفرّاء : المعنى : يا لها حسرة على العباد. وقال الزّجّاج : الحسرة أن يركب الإنسان من شدّة النّدم ما لا نهاية له حتى يبقى قلبه حسيرا. وفي المتحسّر على العباد قولان : أحدهما : أنهم يتحسّرون على أنفسهم ، قال مجاهد والزّجّاج : استهزاؤهم بالرّسل كان حسرة عليهم في الآخرة. وقال أبو العالية : لمّا عاينوا العذاب ، قالوا : يا حسرتنا على المرسلين ، كيف لنا بهم الآن حتى نؤمن. والثاني : أنه تحسّر الملائكة على العباد في تكذيبهم الرّسل ، قاله الضّحّاك.
ثم خوّف كفّار مكّة فقال : (أَلَمْ يَرَوْا) أي : ألم يعلموا (كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ) فيعتبروا ويخافوا أن نعجّل لهم الهلاك كما عجّل لمن أهلك قبلهم ولم يرجعوا إلى الدنيا؟!. قال الفرّاء : وألف (أَنَّهُمْ) مفتوحة ، لأنّ المعنى : ألم يروا أنّهم إليهم لا يرجعون. وقد كسرها الحسن ، كأنه لم يوقع