المولى سبحانه وتعالى استشار الملائكة في خلق آدم فاعترضوا عليه وهو خطأ فان كتاب الله يعلمنا ان المولى سبحانه وتعالى غني عن ذلك ، ثم قال : فأقوال الوحي ناطقة بأنه لم يستشر ولن يستشير.
قلنا : ليس هذا من الاستشارة في شيء ، فإن كل من يفهم الكلام يعلم ان الاستشارة لا تكون بمثل الاخبار المؤكد بهذا التأكيد ، وإنما هو تفضل منه تعالى باعلام ملائكته بآثار حكمته وقدرته.
وقد جاء في العهد القديم ان السيد الرب لا يصنع أمرا إلا وهو يعلن سره لعبيده الأنبياء «عا ٣ ، ٧» ، بل هو أبعد من الاستشارة ونحوها من قول التوراة ، فقال الرب : هل أخفي عن ابراهيم ما أنا فاعله «تك ١٨ ، ١٧» ، وحاشا للقرآن الكريم كلام الله أن يجيء فيه مثل قول التوراة ، ان صرخة سدوم وعمورة قد كثرت ، وخطيئتهم قد عظمت جدا ، انزل وارى هل كصرختهم الآتية إلي عملوا كلها وإلا فاعلم «تك ١٨ و ٢١».
وإن أراد المتكلف أن يعرف الكلام الدال على نسبة الاستشارة والحيرة والضعف الى الله جل شأنه فلينظر الى العهد القديم الذي يقول : فاسمع إذن كلام الرب قد رأيت السيد الرب جالسا على كرسيه وكل جند السماء وقوف لديه عن يمينه ويساره فقال الرب : من يغوي اخاب فيصعد ويسقط في راموت جلعاد فقال هذا هكذا وقال ذاك هكذا فخرج الروح ووقف أمام الرب وقال : أنا اغويه فقال له بما ذا؟ فقال اخرج وأكون روح كذب في أفواه جميع أنبيائه فقال : انك تغويه وتقتدر فاخرج وافعل هكذا «١ مل ٢٢ ، ١٩ ـ ٢٣ ، و ٢ أي ١٨ ، ١٨ ـ ٢٢».
والمتكلف يعظم العهد القديم المشتمل على أمثال هذه الخرافة الكفرية ويسميه كلام الله السميع العليم ، ثم يتقول على القرآن ببواعث هواه ، ويعترض عليه بجهله.
ويقول : ان كتاب الله يعلمنا ان الملائكة هم خدامه المعصومون عن الخطأ والزلل ، أما عبارة القرآن فتفيد انهم اقترفوا أربعة معاص ، كما قال علماء المسلمين.