قلت : يا عجبا ولا عجب من مثل المتكلف والمتعرب فان الذي يسميانه كتاب الله وكلام الله السميع العليم هو الذي يقول : ان الله ينسب الى ملائكته حماقة «اي ١٤ ، ١٨».
ويقول أيضا جيش ملائكة أشرار «مز ٧٨ ، ٤٩» وان الله لم يشفق على ملائكة قد أخطئوا بل في سلاسل الظلام طرحهم في جهنم وسلمهم محروسين للقضاء «٢ بط ٢ ، ٤» ، والملائكة الذين لم يحفظوا رئاستهم بل تركوا مسكنهم حفظهم الى دينونة اليوم العظيم بقيود أبدية تحت الظلام «يه ٦» فأين تكون من كتابهم عصمة الملائكة ، وان عبارة القرآن لا تفيد ان الملائكة اقترفوا أربعة معاص ، ولا قال بذلك علماء المسلمين ، فاستمع إلى ذلك:
فانه قال ان فيما حكاه القرآن من قول الملائكة إنكار على الله فيما يفعله وهو من أعظم المعاصي.
قلت : ليس في هذا الكلام شيء من الانكار على الله وإنما هو سؤال عن وجه الحكمة في خلقه للإنسان مع انه قد ينبعث من بعض أفراده الفساد وسفك الدماء ، ولهذا أجابهم الله بقوله : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) من وجوه الحكمة والصلاح في خلق هذا النوع وما سيظهر منه من قداسة الأنبياء والأولياء وحسن عبادتهم وإخلاصهم بالرغبة والاختيار المرغم لدواعي الهوى ووساوس الشيطان وبواعث الطبيعة البشرية ، ولو كان كلامهم اعتراضا على الله لقال لهم الله عالم الغيب والشهادة : ما أنتم والاعتراض على خالقكم القادر القاهر ، وإن شئت فقابل كلام الملائكة ، هذا مع ما تذكره التوراة عن قول ابراهيم لله جل شأنه : أفتهلك الصديق مع الأثيم عسى أن يكون خمسون صديقا في المدينة؟ أفتهلك المكان ولا تصفح عنه من أجل الخمسين صديقا الذين فيه حاشا لك ان تفعل مثل هذا الأمر لتميت الصديق مع الأثيم فيكون الصديق كالأثيم ادّيان كل الارض لا يصنع عدلا «تك ١٨ ، ٢٣ ـ ٢٦» ، وقس أيضا كلام الملائكة مع ما تذكره التوراة في قولها فرجع موسى الى الرب وقال : يا سيد لما ذا أسأت الى هذا الشعب؟ لما ذا أرسلتني «خر ٥ ، ٢٢» فقال موسى للرب لما ذا أسأت الى عبدك؟ ولما ذا لم أجد نعمة في عينك حتى انك وضعت ثقل جميع هذا الشعب علي ، العليّ