لما ذكرته التوراة الرائجة لكانت مخالفته لها استدراكا عليها فيما غلط به كتّابها وآبائها المتعددون أو سقط منهم ، كما استدركت الترجمة السبعينية والعهد الجديد والحواشي والتراجم عليها أشياء كثيرة من نحو الغلط والسقط ، أو ليست التوراة الرائجة وصلت بالطريق الذي وصل به العهد القديم ، ومع انه أقرب منها عهدا وأقل منها إباء وابتلاء بالحوادث والكوارث ، فانه قد استدركت عليه الحواشي كثيرا من الكلمات المكتوبة فقالت : انها لا تقرأ واوجبت قراءة كثير من الكلمات التي لم تكتب ، فراجع التصدير ، هذا مضافا الى خلل التوراة الرائجة فيما يتعلق بقصة يوسف في الذين اشتروه وباعوه في مصر لفوطيفار ، فتارة جعلتهم اسماعيليين ، وتارة جعلتهم مديانيين وتارة جعلتهم مدانيين.
«وأما ثالثا» فقد اعترض على مضمون القرآن الكريم في ان زوج المرأة التي راودت يوسف اطمأن ببراءته وأمر المرأة بالاستغفار وأبقاها في بيته وأبقى يوسف الى ان بدا لهم أن يسجنوه.
فقال ص ٧١ من الغرائب تبرئة فوطيفار ليوسف وتوبيخ امرأته فانه لا يتصور ان الرجل يثبت على امرأته الفسق والخيانة ومع ذلك يقتنيها في بيته أو يستمر على اقتناء العبد ليكون احبولة لامرأته الشريرة ، ولا يتصور انه يسجنه بعد ظهور براءته.
أقول : أما إبقاء المرأة في بيته مع ظنه أو علمه بخيانتها ، فلا غرابة فيه ، فإن أحوال الوقت والمكان والعوائد والاشخاص وبعض العوارض قد تقتضي ذلك ...
ولا أقول أكثر من هذا ، وأما إبقاء يوسف في بيته فهو أقرب الى الاعتبار حيث اطمأن بصيانته وعفته وأمانته لقيام الآيات والشهادة على ذلك فإن مثل هذه المرأة لا ينبغي أن يكون في بيتها غير هذا الصديق الأمين.
وأما سجن يوسف فإنما كان من استبداد من لم يطمئن ببراءة يوسف ، أو اطمئن ، ولكنه أراد أن يحابي المرأة المصرية الشريفة فيموّه الأمر ، ويزوّر الخيانة على يوسف الغريب ، ويسجلها بالسجن لكي تشيع بين الناس براءة المرأة.