وهذا قريب من كيد الحكومات الوثنية الجورية القديمة في معاملتها مع أعيان الوطن وضعفاء الغرباء ، ولم يقل القرآن ان الذي سجنه هو زوج المرأة ، بل قال : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) ، ولو نسبه الى زوج المرأة لكان من الجائز أن يقصد به محاباة المرأة بالستر عليها ، كما قدمنا.
واعترض أيضا على مضمون القرآن الكريم في انها دعت لائماتها من نسوة في المدينة وآتت كل واحدة منهن سكينا فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن فقالت : هذا الذي لمتنني فيه ، واعترفت بأنها راودته فاستعصم.
فقال «ص ٧٢» : هذا لا يتصور عقلا ، فلا يتصور أن تفضح نفسها ، ولا يتصور عاقل ، ولا جاهل ان النساء يقطعن أيديهن ولا يشعرون لدهشتهن من جمال يوسف.
وأقول : ان سورة العشق وخلاعة الغرام تبعث على أكثر من هذا ولم يقل القرآن ان تلك النسوة من أشراف المدينة ، بل قال نسوة في المدينة ولعلهن صويحباتها في طاعة الصبابة والشهوة ، وكان لومهن لها إنما هو لأنها لم تكشف سترها وتفشي سرها لأبناء جنسها من الأعيان الذين يغازلونها إذا تغازلهم ، بل تعرضت لغلام وضيع لا يؤاتيها على مرامها ، وأصرت على ذلك حتى فضحها بقوله : هي التي راودتني عن نفسي ، فإن الناس لا يمتنع عليهم ان يصدقوا يوسف فضلا عن شهادة الآيات ، ولعل ما يشير الى ذلك قوله تعالى «فلما سمعت بمكرهن» إذ سمى لومهن على الفحشاء مكرا ، أي ليس يلوم على الفحشاء في الحقيقة وأنّما هو لوم على عدم سلوكها في الفحشاء بالنحو المألوف ، فأبدت لأرباب الهوى عذرها المقبول عندهم في الغرام ويشهد لذلك ما داخلهن عند رؤية يوسف إذ تنبهت صبابتهن المألوفة ، وحركتهن ممارسة المغازلة ، وان عملها معهن ليدل على معرفتها بحالهن ، وانهن ممن يلبي دعوة العشق ويستخفه الغرام.
ومن ذلك يظهر انهن لا يمتنع عليهن في دين الغرام وناموس الشغف أن يقطعن أيديهن ، وسيما إذا كانت سقتهن من نتاج الكرمة ، ولا سيما إذا حسبن اعراضه دلالا ، وعفته تغنجا ، وخيل لهن ان اغضاءه من فتنة ألحاظه واسراعه