التسجيل بالصراحة فيما هو العنوان للحجة والقصة ، فلم يطوه بغمغمة الإضمار ، وان الفوائد التي أشرنا إليها لمعتنى بها في البلاغة ، فقد قال عنتر في معلقته :
يا دار عبلة بالجواء تكلمي |
|
وعمي صباحا دار عبلة واسلمي |
وقال سوادة بن عدي :
لا أرى الموت يسبق الموت شيء |
|
نغص الموت ذا الغني والفقيرا |
وذكرنا لك قول امرئ القيس :
فلو انها نفس تموت سوية |
|
ولكنها نفس تساقط أنفسا |
وقول الآخر :
إذا قيل سيروا ان ليلى لعلها |
|
جرى دون ليلى مائل القرن اعضب |
ومن هذا الوجه مجيء التكرار في قوله تعالى : (بِإِذْنِي) في قوله تعالى في سورة المائدة ١١٠ : (وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي) ، والمتعرب ضجر من تكرار هذه الكلمة لأمر لا يحير بيانه.
ولا يخفى عليك أن القرآن الكريم لما كان متجردا لتثبيت حقيقة التوحيد منابذا لما يجاهرها او يخالسها بالشرك فلا جرم ان كانت له العناية التامة في تكرار البيان او تأكيده بأن أفعال المسيح العجيبة لم تكن بقدرته كما شتت به المزاعم ، وإنما هي بإذن الواحد القادر القاهر وبقدرته ، وأن الحال ليوجب ان يتكرر قوله تعالى «بإذني» في هذه الموارد وأمثالها وإن بلغ تعدادها ألفا وان غاظ المتعرب تكرارها المرغم لأهوائه في ثالوثه.
ومن الظرائف ان المتعرب موه تألمه من مباهضتها لهواه. وأبدى ان إنكاره لها ، لأن اولها مثل «إذ» ولعله ابغض «إذ» لأنها مثل أول «بإذني» وإلا فما ذا يبهظه من تكرار «إذ» إذا اقتضى الحال به تسجيل الامتنان بعظائم النعم وعوائد مزيدها في ظروفها تسجيلا لازما في البيان في مقام الامتنان والتذكير لا يحصل لو خلى السوق ونسق العطف بدون التسجيل بالظرف فاعرف ذلك من