«فان قيل» ان القرآن قد كرر في سورة القمر قوله تعالى : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) أربع مرات.
وكذا قوله : (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) ، وكرر في سورة الرحمن سورة المرسلات قوله تعالى : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) عشر مرات فما الوجه في هذا التكرار في السورة الواحدة؟ «قلت» ان للتكرار في الخطابة مناهج البلاغة لمقاما يتنافس فيه البلغاء ، وغاية يتسابقون إليها فيكررون ما يعنيهم أمره ويهمهم تثبيته في القلوب ، ويجلونه بالتكرار ليفتحوا به المسامع ويملئوا به القلوب تنويها بشأنه ، وحياطة للغرض المهم فيه ، فيتفاوتون في الاحسان به كما يتفاوت في الجودة والمناسبة واقتضاء الحال. قال الحرث بن عباد في قصيدة لما قتل مهلهل ابنه بجيرا :
قرّبا مربط النعامة مني |
|
لقحت حرب وائل عن حيال |
فكرر صدر البيت في أربعة وأربعين بيتا ، الى قوله :
قربا مربط النعامة منى |
|
ليجير فداه عمى وخالى |
وقال مهلهل في قصيدة :
على أن ليس عدلا من كليب |
|
إذا خاف المغار من المغير |
فكرر صدر البيت سبعة عشرة مرة ، الى قوله :
على أن ليس عدلا من كليب |
|
إذا هتف المثوب بالعشير |
وكرر قوله «قربا مربط المشهر مني» في صدور أبيات كثيرة ، وكرر عمر بن كلثوم في معلقته قوله «بأي مشيئة عمر بن هند» في صدري بيتين وكررت ليلى الاخيلية في رثاء ، توبة قولها في قصيدة «فنعم الفتى يا توب كنت إذا التقت» في صدور ستة أبيات ، وقولها منها «لعمري لأنت المرء أبكي لفقده» في صدور أربعة أبيات ، وقولها منها «فلا يبعدنك الله ياتوب» في صدور أربعة أبيات.
وهكذا حسان بن ثابت في شعره قبل الاسلام جوابا لقيس بن الحطيم