فكرر قوله في قصيدة (ويثرب تعلم) في صدور أربعة أبيات. وما هو من هذا النحو كثير. وغير مختص باللغة العربية ، بل يوجد في خطابة كثير من اللغات وكلامها الذي يتسامى الى البراعة ومراعاة مقتضى الحال.
حتى أن المزامير الرائجة لما كان اسلوبها طامحا الى البلاغة جاء فيها كثير من ذلك ، فقد جاء في المزمور التسعين (وعمل ايدينا ثبت علينا وعمل ايدينا ثبته) ، وتكرر في المزمور السابع والخمسين قوله «ثابت قلبي» مرتين وفي أول الرابع والتسعين «يا إله النقمات» مرتين ، وفي المائة والخامس عشر «اتكلوا على الرب» ثلاث مرات ، وفي المائة والثامن عشر «احمدوا الرب لأنه صالح الى الابد رحمته» مرتين «ان الى الأبد رحمته» ثلاث مرات ، وفي المائة والرابع والعشرين «لو لا الرب الذي كان لنا» مرتين ، وفي المائة والسادس والثلاثين «لأن الى الابد رحمته» ستا وعشرين مرة ، على ان هذا المزمور لا يبلغ النصف من سورة الرحمن.
وأيضا قد تكرر في العشرين من القضاة «بين رجليها انطرح سقط» مرتين ، وفي الأربعين من أشعيا «يبس الشعب ذبل الزهر» مرتين ، وفي العشرين من حزقيال «التي ان عملها انسان يحيا بها» ثلاث مرات ، وأيضا تكرر في سابع متى عن قول المسيح «من ثمارهم تعرفونهم» مرتين ، كما في الثالث عشر منه أيضا عن خطاب واحد للمسيح مع تلاميذه قوله «هناك يكون البكاء وصرير الاسنان». وفي هذا المقدار من العهدين كفاية وإن كان فيه أكثر من ذلك.
وانك إذا نظرت الى مكررات القرآن في مواردها وجدتها مما لا يساغ لغرض البليغ في تركها ، كيف لا وهي في مقام الامتنان بتيسير القرآن للذكر والحث على الادكار للاتعاظ بما جرى على الكفرة المتمردين من عظيم النكال.
وفي مقام التهديد والتهويل بذلك البطش الشديد حيث تمت عليهم الحجة بالنذر ، وفي مقام التنويه بآلاء الله وبيان انه لا مجال في التكذيب بها ، وفي مقام التهديد والوعيد بالويل في يوم القيامة للمكذبين بالمعاد والجزاء ، وانك لترى ان هذه المقامات هي الرأس والعمدة في الاصلاح ، والتكميل ، ونظام المدنية ، والهدى الى الايمان والسعادة ، فراجع مواردها فإنها توردك بتوفيق الله من زلالها