ذكرنا أنّ كثيرا من كلامهم كان (١) عويصا (٢) غامضا ، إلّا ما (٣) هو من كلام المبتدعين الذين نظروا فى رسوم الفلاسفة الحكماء وابتدعوا الوساوس المتناقضة ، مثل الملحد وأشباهه. فلو تدبّر الملحد هذه الحال واستيقظ من سكره ، وعرف مذاهب الأنبياء ، لعلم أنّ كلامهم وشرائعهم ليس فيها تناقض ولا اختلاف ؛ أو (٤) لو تدبّر تناقض كلام أئمّته (٥) المبتدعين ، إذ لم يعرف رسوم الأنبياء ، وغفل (٦) أيضا عن رسوم الفلاسفة المحقّين ، ثم كان يشتغل بما جاء عن أئمّته من الاختلاف الكثير والتّناقض القبيح وتكذيب بعضهم لبعض ، لكان ذلك أولى به وأوجب عليه وأقرب من الانصاف ؛ فإنّ ذلك واضح فى كتبهم. وكلام (٧) هؤلاء الذين تشبّهوا بالفلاسفة الحكماء ، كان مجرّدا بلا قشور ، وليس هو على رسم (٨) كلام الأنبياء الذين ضربوا الأمثال ، ولا على رسم كلام الفلاسفة الحكماء (٩) الذين تكلّموا بالعويص ؛ على نحو ما حكينا أنّه فى كتاب برقلس (١٠) الفيلسوف وفى كتاب ديمقراط وغيرهما.
(٦) فأمّا المبتدعون الذين تشبّهوا بالفلاسفة فانّهم أوردوا فى وساوسهم وفيما ابتدعوه بآرائهم المدخولة من القول فى (١١) البارى وفى كون العالم وفى أوائل الأشياء ، من الاختلاف والتّناقض ما فيه للملحدين (١٢) خزى عظيم وشناعة قبيحة وشغل شاغل لهم عن الطّعن على الأنبياء الطّاهرين ؛ فانهم لم يدعوا شيئا تكلّموا فيه من هذه الاسباب ، إلّا اختلفوا فيه ونقض بعضهم على بعض ، ونسبوا كثيرا من دعاويهم (١٣) إلى الفلاسفة القدماء الحكماء ، وقبّحوا أمرهم عند النّاس ، حتّى أجروهم مجرى الضّلال ؛ ونفرت قلوب النّاس من
__________________
(١) ـ كان : ـ B (٢) عويصا : عريضاC (٣) ما : من AC ـ (٤) ـ او : وB (٥) ائمته : ائمةA (٦) غفل : عقل BC ـ (٧) ـ كلام : كلامهم A (٨) ـ رسم : رسوم A (٩) ـ الحكماء : والحكماءC (١٠) ـ برقلس : برقليس ABC (١١) ـ فى : ـ B (١٢) ـ للملحدين : للملحد من C (١٣) ـ دعاويهم : دعائهم A