بل ، أهل العقل والعلم والحلم والمعرفة ، هم الأقلّون عددا فى كلّ شريعة ؛ واشتملت الشّرائع على هذه الطّبقات من النّاس ، على تفاوت آرائها ومذاهبها ؛ وليس فى رسم الشّرائع ، أن لا يقبل إلّا الكامل العاقل الدّيّن (١) اللّبيب ، وأن يطرد عنها من نقص عن هذه المراتب ؛ ولا توجب الدّيانة (٢) ذلك ، بل يقبلون على مراتبهم ويعلّمون (٣) ما يحتاجون إليه من أمر دينهم ، ويؤمرون (٤) وينهون ويراضون ؛ ثمّ حسابهم على الله عزوجل (٥) ، يجازى كلا (٦) بعمله ، وعلى مقدار قبوله الأمر والنّهى ، وسعيه لأمر معاده ؛ اذ كان الله عزوجل (٧) ، يستعبد الأنام على مقدار عقولهم ووسعهم وطاقتهم ؛ ثمّ هو أعلم بما يستوجبون من الثّواب والعقاب وإنّه عليم بذات الصّدور ؛ كما أمر به رسوله محمّدا (ص) ، وسنّه له فى القرآن ، فقال تبارك اسمه (٨) : (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ) وقال : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) (٩).
(٢) هكذا جرت السنّة فيمن تقدّم من الأنبياء ، كما قال الله عزوجل (١٠) فى قصّة نوح (ع) لمّا عيّره قومه باتّباعه ، وقالوا له. «أنؤمن لك واتّبعك الارذلون» قال لهم «وما علمى بما كانوا يعملون ان حسابهم الّا على ربّي لو تشعرون وما (١١) أنا بطارد المؤمنين» فقد دلّ (١٢) أنّهم لم يطردوا أتباعهم ، وان قلّت معرفتهم ، وضعفت عقولهم ؛ بل ، علّموهم وبلّغوا رسالات الله ،
__________________
(١) ـ الدين : الذين A (٢) ـ الديانة : ـ C (٣) ـ يعلمون : يعملون C (٤) ـ يؤمرون : يؤمرن B (٥) عزوجل : ـ A (٦) كلا : كل C (٧) ـ عزوجل : ـ A (٨) ـ اسمه : + له A (٩) ـ عليك : يمدك ـ A (١٠) ـ عزوجل : ـ A (١١) ـ ما : ـ B (١٢) دل : دلك C