الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ).
قال مجاهد : ميز بينهم يوم أحد ، وقال قتادة : ميز بينهم بالجهاد والهجرة ، وقال السدي: قالوا : إن كان محمد صادقا فليخبرنا عمن يؤمن به منا ومن يكفر ، فأنزل الله تعالى : (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) أي حتى يخرج المؤمن من الكافر ، روى ذلك كله ابن جرير (١).
ثم قال تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) أي أنتم لا تعلمون غيب الله في خلقه حتى يميز لكم المؤمن من المنافق لولا ما يعقده من الأسباب الكاشفة عن ذلك. ثم قال تعالى: (وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ) كقوله تعالى : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) [الجن : ٢٦ ـ ٢٧] ثم قال تعالى : (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ) أي أطيعوا الله ورسوله واتبعوه فيما شرع لكم (وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ). وقوله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ. بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ) أي لا يحسبن البخيل أن جمعه المال ينفعه بل هو مضرة عليه في دينه ، وربما كان في دنياه. ثم أخبر بمآل أمر ماله يوم القيامة ، فقال (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ).
قال البخاري (٢) : حدثنا عبد الله بن منير ، سمع أبا النضر ، حدثنا عبد الرحمن هو ابن عبد الله بن دينار عن أبيه ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ، يأخذ بلهزمتيه ـ يعني بشدقيه ـ ثم يقول : أنا مالك ، أنا كنزك» ثم تلا هذه الآية (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ) إلى آخر الآية ، تفرد به البخاري دون مسلم من هذا الوجه ، وقد رواه ابن حبان في صحيحه من طريق الليث بن سعد عن محمد بن عجلان ، عن القعقاع بن حكيم ، عن أبي صالح به.
حديث آخر : قال الإمام أحمد (٣) : حدثنا حجين بن المثنى ، حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، قال «إن الذي لا يؤدي زكاة ماله يمثل الله له ماله يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان ، ثم يلزمه يطوقه يقول : أنا كنزك أنا كنزك» وهكذا رواه النسائي (٤) عن الفضل بن سهل عن أبي النضر هاشم بن القاسم عن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة به. ثم قال النسائي : ورواية عبد العزيز عن عبد الله بن
__________________
(١) تفسير الطبري ٣ / ٥٢٨ ـ ٥٢٩.
(٢) صحيح البخاري (تفسير سورة آل عمران باب ١٤)
(٣) مسند أحمد ٢ / ٩٨.
(٤) سنن النسائي (زكاة باب ٢٠)