وقد روي عن ابن مسعود مثله ، ثم رجع عنه ، قال الطبراني : حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري ، حدثنا عبد الرزاق عن الثوري ، عن أبي فروة ، عن أبي عمرو الشيباني ، عن ابن مسعود : أن رجلا من بني كمخ من فزارة تزوج امرأة فرأى أمها فأعجبته. فاستفتى ابن مسعود ، فأمره أن يفارقها ثم تزوج أمها ، فتزوجها وولدت له أولادا ، ثم أتى ابن مسعود المدينة ، فسأل عن ذلك ، فأخبر أنها لا تحل له ، فلما رجع إلى الكوفة قال للرجل : إنها عليك حرام ففارقها.
وجمهور العلماء على أن الربيبة لا تحرم بالعقد على الأم بخلاف الأم ، فإنها تحرم بمجرد العقد. قال ابن أبي حاتم : حدثنا جعفر بن محمد بن هارون بن عزرة ، حدثنا عبد الوهاب عن سعيد ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أنه كان يقول : إذا طلق الرجل المرأة قبل أن يدخل بها أو ماتت لم تحل له أمها ، وروي أنه قال : إنها مبهمة ، فكرهها. ثم قال : وروي عن ابن مسعود وعمران بن حصين ومسروق وطاوس وعكرمة وعطاء والحسن ومكحول وابن سيرين وقتادة والزهري نحو ذلك. وهذا مذهب الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة ، وجمهور الفقهاء قديما وحديثا ، ولله الحمد والمنة.
قال ابن جرير (١) : والصواب قول من قال : الأم من المبهمات ، لأن الله لم يشترط معهن الدخول كما اشترطه مع أمهات الربائب ، مع أن ذلك أيضا إجماع من الحجة التي لا يجوز خلافها فيما جاءت به متفقة عليه. وقد روي بذلك أيضا عن النبي صلىاللهعليهوسلم خبر غير أن في إسناده نظرا ، وهو ما حدثني به المثنى ، حدثنا حبان بن موسى ، حدثنا ابن المبارك ، أخبرنا المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال «إذا نكح الرجل المرأة فلا يحل له أن يتزوج أمها ، دخل بالبنت أو لم يدخل ، وإذا تزوج بالأم فلم يدخل بها ثم طلقها ، فإن شاء تزوج الابنة» ، ثم قال : وهذا الخبر وإن كان في إسناده ما فيه ، فإن في إجماع الحجة على صحة القول به مستغنى عن الاستشهاد على صحته بغيره.
وأما قوله تعالى : (وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ) فالجمهور على أن الربيبة حرام سواء كانت في حجر الرجل ، أو لم تكن في حجره ، قالوا : وهذا الخطاب خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له ، كقوله تعالى : (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) [النور : ٣٣]. وفي الصحيحين أن أم حبيبة قالت : يا رسول الله أنكح أختي بنت أبي سفيان ، وفي لفظ لمسلم عزة بنت أبي سفيان ، قال «أو تحبين ذلك»؟ قالت : نعم لست لك بمخلية ، وأحب من شاركني في خير أختي ، قال «فإن ذلك لا يحل لي». قالت : فإنا نحدث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة ، قال «بنت أم سلمة»؟ قالت : نعم. قال «إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي ، إنها لبنت أخي من الرضاعة ، أرضعتني وأبا سلمة ثويبة ، فلا تعرضن علي بناتكن
__________________
(١) تفسير الطبري ٣ / ٦٦٣.