إلى ركعة كما دل عليه الحديث ـ فرادى ورجالا وركبانا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها ، ثم ذكر حال الاجتماع والائتمام بإمام واحد ، وما أحسن ما استدل به من ذهب إلى وجوب الجماعة من هذه الآية الكريمة حيث اغتفرت أفعال كثيرة لأجل الجماعة ، فلولا أنها واجبة لما ساغ ذلك ، وأما من استدل بهذه الآية على أن صلاة الخوف منسوخة بعد النبي صلىاللهعليهوسلم لقوله : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ) فبعده تفوت هذه الصفة ، فإنه استدلال ضعيف ، ويرد عليه مثل قول مانعي الزكاة الذين احتجوا بقوله : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) [التوبة : ١٠٣] قالوا : فنحن لا ندفع زكاتنا بعده صلىاللهعليهوسلم إلى أحد ، بل نخرجها نحن بأيدينا على من نراه ، ولا ندفعها إلا إلى من صلاته أي دعاؤه سكن لنا ، ومع هذا رد عليهم الصحابة ، وأبوا عليهم هذا الاستدلال ، وأجبروهم على أداء الزكاة وقتلوا من منعها منهم.
ولنذكر سبب نزول هذه الآية الكريمة أولا قبل ذكر صفتها. قال ابن جرير (١) : حدثني المثنى ، حدثني إسحاق ، حدثنا عبد الله بن هاشم ، أنبأنا سيف عن أبي روق ، عن أبي أيوب ، عن علي رضي الله عنه ، قال : سأل قوم من بني النجار (٢) رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالوا : يا رسول الله ، إنا نضرب في الأرض فكيف نصلي؟ فأنزل الله عزوجل (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) ثم انقطع الوحي ، فلما كان بعد ذلك بحول ، غزا النبي صلىاللهعليهوسلم فصلى الظهر ، فقال المشركون : لقد أمكنكم محمد وأصحابه من ظهورهم هلا شددتم عليهم؟ فقال قائل منهم : إن لهم أخرى مثلها في أثرها ، قال : فأنزل الله عزوجل بين الصلاتين (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) [النساء : ١٠١] الآيتين ، فنزلت صلاة الخوف.
وهذا سياق غريب جدا ، ولكن لبعضه شاهد من رواية أبي عياش الزرقي واسمه زيد بن الصامت رضي الله عنه عند الإمام أحمد وأهل السنن ، فقال الإمام أحمد (٣) : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا الثوري عن منصور ، عن مجاهد ، عن أبي عياش الزرقي ، قال : كنا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعسفان ، فاستقبلنا المشركون عليهم خالد بن الوليد ، وهم بيننا وبين القبلة ، فصلى بنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم الظهر ، فقالوا : لقد كانوا على حال لو أصبنا غرتهم ، ثم قالوا : تأتي عليهم الآن صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وأنفسهم ، قال : فنزل جبريل بهذه الآيات بين الظهر والعصر (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ) قال : فحضرت ، فأمرهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأخذوا السلاح ، قال : فصفنا خلفه صفين ، قال : ثم ركع فركعنا جميعا ، ثم رفع فرفعنا جميعا ، ثم سجد النبي صلىاللهعليهوسلم بالصف الذي يليه والآخرون قيام يحرسونهم ، فلما سجدوا وقاموا ، جلس الآخرون فسجدوا في مكانهم ، ثم تقدم هؤلاء إلى مصاف هؤلاء ، وجاء هؤلاء إلى
__________________
(١) تفسير الطبري ٤ / ٢٤٥.
(٢) في الطبري : «سأل قوم من التجار».
(٣) مسند أحمد ٤ / ٥٩ ـ ٦٠.