حديث أخر : روى ابن مردويه من طريق حسين بن واقد عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، قال : قيل : يا رسول الله (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) ، قال : «نعم ومن يعمل حسنة يجز بها عشرا» فهلك من غلب واحدته عشراته. وقال ابن جرير (١) : حدثنا ابن وكيع ، حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) قال : الكافر ، ثم قرأ (وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) [سبأ : ١٧] ، وهكذا روي عن ابن عباس وسعيد بن جبير أنهما فسرا السوء هاهنا بالشرك أيضا.
وقوله : (وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : إلا أن يتوب فيتوب الله عليه ، رواه ابن أبي حاتم ، والصحيح أن ذلك عام في جميع الأعمال لما تقدم من الأحاديث ، وهذا اختيار ابن جرير ، والله أعلم.
وقوله : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ) الآية ، لما ذكر الجزاء على السيئات وأنه لا بد أن يأخذ مستحقها من العبد إما في الدنيا وهو الأجود له ، وإما في الآخرة والعياذ بالله من ذلك ، ونسأله العافية في الدنيا والآخرة ، والصفح والعفو والمسامحة ، شرع في بيان إحسانه وكرمه ورحمته في قبول الأعمال الصالحة من عباده ، ذكرانهم وإناثهم بشرط الإيمان ، وأنه سيدخلهم الجنة ولا يظلمهم من حسناتهم ولا مقدار النقير ، وهو النقرة التي في ظهر نواة التمرة وقد تقدم الكلام على الفتيل وهو الخيط في شق النواة ، وهذا النقير وهما في نواة التمرة ، وكذا القطمير وهو اللفافة التي على نواة التمرة ، والثلاثة في القرآن.
ثم قال تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) أخلص العمل لربه عزوجل فعمل إيمانا واحتسابا ، (وَهُوَ مُحْسِنٌ) أي اتبع في عمله ما شرعه الله له ، وما أرسل به رسوله من الهدى ودين الحق ، وهذان الشرطان لا يصح عمل عامل بدونهما ، أي يكون خالصا صوابا والخالص أن يكون لله ، والصواب أن يكون متابعا للشريعة فيصح ظاهره بالمتابعة ، وباطنه بالإخلاص ، فمتى فقد العمل أحد هذين الشرطين فسد ، فمتى فقد الإخلاص كان منافقا وهم الذين يراءون الناس ، ومن فقد المتابعة كان ضالا جاهلا ، ومتى جمعهما كان عمل المؤمنين الذين يتقبل (عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) ويتجاوز (عَنْ سَيِّئاتِهِمْ) [الأحقاف : ١٦] ، ولهذا قال تعالى : (وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) وهم محمد وأتباعه إلى يوم القيامة. كما قال تعالى : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُ) [آل عمران : ٦٨] ، وقال تعالى : (ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [النحل : ١٢٣] والحنيف هو المائل عن الشرك قصدا ، أي تاركا له عن بصيرة ، ومقبل على الحق بكليته لا يصده عنه صاد ، ولا يرده عنه راد.
__________________
(١) تفسير الطبري ٤ / ٢٩١.