وابن مردويه من حديث حميد بن قيس الأعرج ، عن عبد الله بن الحارث ، عن ابن مسعود ، قال: قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «كان على موسى يوم كلمه ربه جبة صوف ، وكساء صوف ، وسراويل صوف ، ونعلان من جلد حمار غير ذكي» (١).
وقال ابن مردويه بإسناده ، عن جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : إن الله ناجى موسى بمائة ألف كلمة وأربعين ألف كلمة في ثلاثة أيام ، وصايا كلها ، فلما سمع موسى كلام الآدميين مقتهم مما وقع في مسامعه من كلام الرب عزوجل ، وهذا أيضا إسناد ضعيف ، فإن جويبر أضعف ، والضحاك لم يدرك ابن عباس رضي الله عنهما. فأما الأثر الذي رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه وغيرهما من طريق الفضل بن عيسى الرقاشي ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله أنه قال : لما كلم الله موسى يوم الطور ، كلمه بغير الكلام الذي كلمه يوم ناداه ، فقال له موسى : يا رب هذا كلامك الذي كلمتني به ، قال : لا يا موسى ، إنما كلمتك بقوة عشرة آلاف لسان ، ولي قوة الألسنة كلها ، وأنا أقوى من ذلك ، فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل ، قالوا : يا موسى ، صف لنا كلام الرحمن. قال : لا أستطيعه. قالوا : فشبه لنا. قال : ألم تسمعوا إلى صوت الصواعق فإنه قريب منه وليس به. وهذا إسناد ضعيف ، فإن الفضل الرقاشي هذا ضعيف بمرة.
وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ، عن جزء بن جابر الخيثمي ، عن كعب ، قال : إن الله لما كلم موسى بالألسنة كلها ، سوى كلامه فقال له موسى : يا رب ، هذا كلامك؟ قال : لا ، ولو كلمتك بكلامي لم تستقم له. قال : يا رب ، فهل من خلقك شيء يشبه كلامك؟ قال : لا ، وأشد خلقي شبها بكلامي أشد ما تسمعون من الصواعق ، فهذا موقوف على كعب الأحبار ، وهو يحكي عن الكتب المتقدمة المشتملة على أخبار بني إسرائيل وفيها الغث والسمين.
وقوله : (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) أي يبشرون من أطاع الله واتبع رضوانه بالخيرات ، وينذرون من خالف أمره وكذب رسله بالعقاب والعذاب ، وقوله : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) أي أنه تعالى أنزل كتبه وأرسل رسله بالبشارة والنذارة ، وبين ما يحبه ويرضاه مما يكرهه ويأباه ، لئلا يبقى لمعتذر عذر ، كما قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى) [طه : ١٣٤] ، وكذا قوله : (وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) [القصص : ٤٧]. وقد ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا أحد أغير من الله ، من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، ولا أحد أحب إليه المدح
__________________
(١) أي غير مذبوح ذبحا.