(وَأَهْلَكَ) مطلق المنتمين إليه مؤمناً كان أم كافراً. بل يعد دعاؤه هذا قرينة على أنّ الناجين من أهله هم المؤمنون فقط لا الكافرون ، وانّ المراد من (مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) مطلق الكافرين سواء كانوا منتمين إليه أو لا.
ثانياً : انّه لا دليل على أنّه فهم من قوله : (إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ) خصوص زوجته ، بل الظاهر أنّه فهم أنّ المراد من المستثنى كل من عاند الله وحاد رسوله من غير فرق في ذلك بين الزوجة وغيرها.
وثالثاً : انّه سبحانه بعد ما أمر نوحاً عليهالسلام بصنع الفلك أوحى إليه بقوله : (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) (١) ، والظاهر من قوله : (الَّذِينَ ظَلَمُوا) مطلق المشركين حميماً كان أو غريباً ، فإذا قال بعد ذلك : (وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) يكون إطلاق الجملة الأُولى قرينة على أنّ المراد من الأهل هو خصوص المؤمن لا الظالم منهم ، إذ الظالم منهم داخل في قوله : (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا).
وإن شئت قلت : إنّ صراحة الجملة الأُولى قرينة على أنّ المراد من قوله : (إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) مطلق الظالم والكافر زوجة كانت أم غيرها ، رحماً كان أم غيره ، وهذه الصراحة قرينة على أنّ المراد من (أَهْلَكَ) هو خصوص المؤمن لا الأعم منه.
وبالجملة : فلو صحت النظرية صح الجواب ، لكنها باطلة لأجل الأُمور الثلاثة التي ألمعنا إليها.
وأمّا الفرض الثاني ، فالظاهر أنّه الحق ، وحاصله : أنّ الابن كان متظاهراً بالإيمان مبطناً للكفر ، ويدل على ذلك قول نوح لابنه عند ما امتنع أن يواكب أباه
__________________
(١). هود : ٣٧.