في ركوبه السفينة : (يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ) (١) ، أي لا تكن معهم حتى تشاركهم في البلاء ، ولو كان عارفاً بكفره لكان عليه أن يقول : «ولا تكن من الكافرين» وبما انّه كان معتقداً بإيمان ولده كان مذعناً بدخوله في قوله : (وَأَهْلَكَ) ولما أدركه الغرق أدركته الحيرة في أنّه كيف غرق مع أنّ وعده سبحانه حق لا يشوبه ريب ، وعندئذ أظهر ما في قلبه وقال : (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) ، وأجابه سبحانه بأنّه ما أدركه الغرق إلّا لأجل كفره ، فهو كان داخلاً في قوله : (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) (٢) أوّلاً ، وثانياً في المستثنى أي قوله : (إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) لا المستثنى منه أي (أَهْلَكَ).
وعندئذ يقع السؤال والجواب في موقعهما ولا يكون نوح عليهالسلام في حكمه كاذباً ، لأنّه كان يتصور أنّ ولده مؤمن فنبّهه سبحانه على أنّه كافر ، فأين الكذب في هذين الحكمين؟ وفي قوله سبحانه : (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) إعلام بأنّ قرابة الدين غامرة لقرابة النسب ، وانّ نسيبك في دينك ومعتقدك من الأباعد وان كان حبشياً وكنت قرشياً ، لصيقك وخصيصك ، ومن لم يكن على دينك وان كان أمس أقاربك رحماً فهو بعيد عنك إيماناً وعقيدة وروحاً.
ثمّ إنّ الإخبار عن ابن نوح بأنّه عمل غير صالح مكان كونه عاملاً غير صالح ، لأجل المبالغة في ذمه مثل قوله «فإنما هي إقبال وإدبار». (٣)
وهاهنا نكتة يجب التنبيه عليها ، وهي أنّ العنصر المقوّم لصدق عنوان الأهل عند أصحاب اللغة والعرف هو انتساب الإنسان إلى شخص بوشيجة من
__________________
(١). هود : ٤٢.
(٢). هود : ٣٧.
(٣). الكشاف : ٢ / ١٠١.