سبحانه : (فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) يعرب عن وجود سؤال غير لائق بساحة الأنبياء ، فلأجل ذلك خوطب ونهي عن التكرار.
فنقول : إنّ الله عزوجل قد وعده بإنجاء أهله مع استثناء من سبق عليه القول منهم ، وهذا الاستثناء كان دليلاً على أنّ في جملة «أهله» من هو مستوجب للعذاب ، وأنّهم كلّهم ليسوا بناجين ، وعندئذ كان على نوح أن لا تخالجه شبهة حين أشرف ولده على الغرق في أنّه من المستثنين ، وليس داخلاً في المستثنى منهم ، فعوتب على أنّه اشتبه عليه ما يجب أن لا يشتبه عليه. (١)
وعلى هذا يكون المراد من قوله : (فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) النهي عن السؤال الذي لا يليق أن يطرح ويسأل إذا كان الجواب معلوماً بالقرائن والتفكر في أطراف القضية ، وإلّا فالسؤال انّما يتعلّق بما لا يعلم لا بما يعلم. هذا ما أجاب به صاحب الكشاف.
وهناك جواب أوضح ولعلّه أليق بساحة الأنبياء ، وهو : أنّه لما وعد نوحاً بنجاة الأهل بقوله : (إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ) ولم يكن نوح مطّلعاً على باطن ابنه ، بل كان معتقداً بظاهر الحال أنّه مؤمن ، بقي متمسّكاً بصيغة العموم للأهلية ولم يعارضه يقين ولا شك بالنسبة إلى إيمان ابنه ، فلذلك (نادى رَبَّهُ).
وأمّا قوله : (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) فليس راجعاً إلى كلامه وندائه ، بل كان نداؤه ربّه في هذا الظرف واقعاً موقع القبول ، وكان السؤال صحيحاً ورصيناً ، بل هو راجع إلى وقوع السؤال في المستقبل بعد أن أعلمه الله باطن أمره ، وأنّه إن سأل في المستقبل كان من الجاهلين ، والغرض من ذلك تقديم
__________________
(١). الكشاف : ٢ / ١٠١.