فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ* فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ* ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ* قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ* أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (١).
فزعمت المخطّئة أنّ قوله عليهالسلام (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ) كذب لا شك فيه ، لأنّه هو الذي كسر الأصنام وجعلها جذاذاً إلّا كبيرها ، فكيف نسب التكسير إلى كبيرها؟
ولا يخفى أنّ الشبهة واهية جداً ، مثل الشبهة السابقة ، لأنّ الكذب في الكلام إنّما يتحقق إذا لم يكن هناك قرينة على أنّه لم يرد ما ذكره ، بالإرادة الجدية ، وانّما ذكره لغاية أُخرى ، ومع تلك القرينة لا يُعد الكلام كذباً ، والقرينة في الكلام أمران :
الأوّل : قوله عليهالسلام عند مغادرة قومه البلد ومخاطبتهم بقوله : (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) (٢) ، ولا يصح حمل ذلك على أنّه قاله في قلبه وفكرته ، لا بصورة المشافهة والمصارحة ، وذلك لأنّ إبراهيم كان مشهوراً بعدائه وكرهه للأصنام ، حتى أنّهم بعد ما رجعوا إلى بلدهم ووجدوا الأصنام جذاذاً ، أساءوا الظن به ، واتهموه بالعدوان على أصنامهم وتخريبها و (قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ) (٣).
الثاني : انّ من المسلّم بين إبراهيم وعبدة الأصنام أنّ آلهتهم صغيرها وكبيرها
__________________
(١). الأنبياء : ٥١ ـ ٦٧.
(٢). الأنبياء : ٥٧.
(٣). الأنبياء : ٦٠.