الحق في نصابه ، وانزاح الباطل عن مقامه ، وانقطع لسانه عن منبته ، عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية ، لا عقل سماع ودعاية». (١)
لاحظ هذا الكلام وأمعن النظر فيه هل ترى كلمة أوضح في الدلالة على مصونيتهم من الذنوب وعصمتهم عن الآثام من قوله : «لا يخالفون الحق ، ولا يختلفون فيه» أي لا يعدلون عن الحق ، ولا يختلفون فيه ، قولاً وفعلاً كما يختلف غيرهم من الفرق ، وأرباب المذاهب ، فمنهم من له في المسألة قولان ، أو أكثر ، ومنهم من يقول قولاً ثمّ يرجع عنه ، ومنهم من يرى في أُصول الدين رأياً ثمّ ينفيه ويتركه.
إنّ الإمام يصف آل النبي بقوله : «عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية» أي عرفوا الدين ، وعلموه ، معرفة من فهم الشيء وأتقنه ، ووعوا الدين وحفظوه ، وحاطوه ليس كما يعقله غيرهم عن سماع ودعاية».
وعلى الجملة انّ قوله عليهالسلام : «لا يخالفون الحق» ، دليل على العصمة عن المعصية وقوله : «عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية» دليل على مصونيتهم عن الخطأ ، وسلامتهم في فهم الدين ووعيه.
والإمام لا يكتفي ببيان عصمة آل رسول الله بهذين الكلامين ، بل يصف أحب عباد الله إليه بعبارات وجمل تساوق العصمة ، وتعادلها ، إذ يقول :
«أعانه الله على نفسه ، فاستشعر الحزن ، وتجلبب الخوف ، فزهر مصباح الهدى في قلبه ، وأعدّ القرى ليومه النازل به ، فقرّب على نفسه البعيد ، وهوّن الشديد ، نظر فأبصر ، وذكر فاستكثر ، وارتوى من عذب فرات سهلت له موارده فشرب نهلاً ، وسلك سبيلاً جدداً ، قد خلع سرابيل الشهوات ، وتخلّى من الهموم إلّا
__________________
(١). نهج البلاغة الخطبة ٢٣٤ ، طبعة عبده.