إلهياً ، ورئيس دولة إسلامية أسّسها منذ بدء وروده المدينة ، ومراده هو إبعاد نفسه عمّا يتبادر إلى أذهان العامّة من سماع ذلك اللفظ ، وأنّه ليس من أُولئك الزمرة ، بل حاكم إلهي يسعى لصالح الأُمّة حسب القوانين الإلهية.
وبالجملة : فرق بين السلطة التي تستخدمها الغرائز المادية ، والسلطة التي تراقبها النبوّة ، ويكبح جماحها الخوف من الله ، والعشق لرضوانه ، والذي طلبه سليمان في الآية إنّما هو الثاني ، وهو عمل إلهي وخدمة للدين وعمل مقرّب ، دون الأوّل.
ولأجل أن لا تذهب أذهان الصحابة إلى المعنى المتبادر من لفظ «الملك» قام رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بتوضيح ما طلب سليمان لنفسه من الله سبحانه وقال : «أرأيتم ما أُعطي سليمان بن داود من ملكه؟ فإنّ ذلك لم يزده إلّا تخشعاً ، ما كان يرفع بصره إلى السماء تخشعاً لربِّه». (١)
وقد أوضحنا حقيقة السلطة الإسلامية التي دعا إلى استقرارها الكتاب والسنّة ، وملامحها وأهدافها ، فلاحظ (٢).
ومن هنا يعلم جواب السؤال الرابع : وأنّه لما ذا قال : (لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي)؟ فإنّه لم يقل ذلك ضناً وبخلاً على الغير ، وإنّما قال ذلك ، لأنّه طلب الملك الذي لا يصلح في منطق العقل والشرع أن يمارسه غيره ، أو من هو نظيره في العلم والإيمان ، وذلك لأنّه سبحانه يبيّن ملامح هذا الحكم في آيات أُخر ويقول : (فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ* وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ* وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ* هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ
__________________
(١). روح البيان : ٨ / ٣٩.
(٢). لاحظ الجزء الثاني من هذه الموسوعة : الفصل الأوّل : ١١ ـ ٧٢.