فلو أخبر واحد منهم عن وقوع حادثة أو نزول رحمة وعذاب على قوم ، فلا بد أن يكون وضع المخبر به في المستقبل على وجه لا يلزم منه تكذيبهم ، وذلك إمّا بوقوع نفس المخبر به كما هو الحال في إخبار صالح لقومه ، حيث تنبّأ وقال : (تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ) ، فلمّا بلغ الأجل المحدد (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ* كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ) (١) ، وإمّا بظهور علامات وأمارات دالة على صدق مقال النبي وإخباره ، وانّ عدم تحقّقه لأجل تغيير التقدير بالدعاء والعمل الصالح ، قال سبحانه : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) (٢).
وقال عز من قائل : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٣).
هذه سنة الله سبحانه في إنزال النعمة والنقمة ورفعهما.
وما أخبر به يونس كان من هذا القبيل ، فقد تنبّأ بنزول العذاب ، وشاهد القوم طلائع العذاب وعلائمه (٤) ، فبادروا بالتوبة والإنابة إلى الله حسب إرشاد عالمهم ، فكشف عنهم العذاب ، وليس في هذا تكذيب ليونس ، لو لم يكن فيه تصديق حيث وقفوا على صدق مقالته غير أنّ لله سبحانه سنناً في الحياة ، فأخذ المعتدي باعتدائه سنّة ، والعفو عنه لإنابته أيضاً سنّة ، ولكل موضع خاص ، وهذا
__________________
(١). هود : ٦٥ ، ٦٧ ـ ٦٨.
(٢). الأعراف : ٩٦.
(٣). الأنفال : ٥٣.
(٤). لاحظ تفسير الطبري : ١١ / ١١٧ ـ ١١٨ ؛ الدر المنثور : ٣ / ٣١٧ ـ ٣١٨ ؛ البحار : ١٤ / ٣٩٦ من الطبعة الحديثة.