وقد اختلفوا فيه أيضاً على قولين :
فمن قائل : إنّه كان يتعبّد بشرع من قبله.
ومن قائل آخر ينفيه بتاتاً.
وقد بسط الكلام في هذا المقام السيد المرتضى في «ذريعته» وتلميذه الجليل في «عدّته» فاختارا القول الثاني وأوضحا برهانه. (١)
غير انّي أرى البحث في ذلك عديم الفائدة ، لأنّ المسلمين اتفقوا على أنّه بعد البعثة ، ما كان يقول إلّا ما يوحى إليه ، ولا يصدر عنه شيء إلّا عن هذا الطريق ، فإذا كان الواجب علينا اقتفاء أمره ونهيه ، والعمل بالوحي الذي نزل عليه ، فأي فائدة في البحث عن أنّه هل كان ما يأمر به وينهى عنه ، صدر عن التعبّد بشريعة من قبله ، أو صدر عن شريعته؟ إذ الواجب علينا الأخذ بما أتى به ، بأي لون وشكل كان ، وفي ذلك يقول المحقّق الحلّي : إنّ هذا الخلاف عديم الفائدة ، لأنّا لا نشك أنّ جميع ما أتى به لم يكن نقلاً عن الأنبياء ، بل عن الله تعالى بإحدى الطرق الثلاث التي أُشير إليها في قوله سبحانه : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) (٢).
فإذا كان صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يصدر عنه شيء إلّا عن طريق الوحي ، فلا تترتب على البحث أيّة فائدة ، فسواء أكان متعبداً بشرع من قبله أم لم يكن ، فهو صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يأمر ولا ينهى إلّا بإذنه سبحانه. (٣)
__________________
(١). الذريعة : ٢ / ٥٩٨ ؛ العدة : ٢ / ٦١.
(٢). الشورى : ٥١.
(٣). لاحظ المعارج : ٦٥ ، بتوضيح منّا.