الضلالة في الآية مأخوذة من «ضل الشيء إذا خفي وغاب عن الأعين» قال سبحانه : (أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) (١) ، فالإنسان الضال هو الإنسان المخفي ذكره ، المنسي اسمه ، لا يعرفه إلّا القليل من الناس ، ولا يهتدي كثير منهم إليه ، ولو كان هذا هو المقصود ، يكون معناه أنّه سبحانه رفع ذكره وعرفه بين الناس عند ما كان خاملاً ذكره منسيّاً اسمه ، ويؤيد هذا الاحتمال قوله سبحانه في سورة الانشراح التي نزلت لتحليل ما ورد في سورة الضحى قائلاً : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ* وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ* الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ* وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) (٢) فرفع ذكره في العالم ، عبارة عن هداية الناس إليه ورفع الحواجز بينه وبين الناس ، وعلى هذا فالمقصود من «الهداية» هو هداية الناس إليه لا هدايته ، فكأنّه قال : فوجدك ضالاً ، خاملاً ذكرك ، باهتاً اسمك ، فهدى الناس إليك ، وسيّر ذكرك في البلاد.
وإلى ذلك يشير الإمام الرضا عليهالسلام ـ على ما في خبر ابن الجهم ـ بقوله : «قال الله عزوجل لنبيّه محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم : «(أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى) يقول : (أَلَمْ يَجِدْكَ) وحيداً (فَآوى) إليك الناس (وَوَجَدَكَ ضَالًّا) يعني عند قومك (فَهَدى) أي هداهم إلى معرفتك». (٣)
هذه هي المحتملات المعقولة في الآية ولا يدل واحد منها على ما تتبنّاه المخطّئة وإن كان الأظهر هو الأوّل.
ويعجبني في المقام ما ذكره الشيخ محمد عبده في «رسالة التوحيد» فقال :
__________________
(١). السجدة : ١٠.
(٢). الانشراح : ١ ـ ٤.
(٣). البحار : ١٦ / ١٤٢.