استدلت المخطّئة لعصمة النبي الأكرم بهذه الآية وزعمت ـ والعياذ بالله ـ دلالة الآية على أنّه كان فاقداً للإيمان قبل الإيحاء إليه ، وقد انقلب وصار مؤمناً موحداً بالوحي وبعد نزوله إليه.
لكن حياته المشرقة ـ بالإيمان والتوحيد ـ تفند تلك المزعمة ، بشهادة التاريخ على أنّه من بداية عمره إلى أن لاقى ربّه ، كان مؤمناً موحداً ، وليس ذلك أمراً قابلاً للشك والترديد ، وقد أصفق على ذلك أهل السير والتاريخ وحتى كان الأحبار والرهبان معترفين بأنّه نبيُّ هذه الأُمّة وخاتم الرسالات الإلهية ، وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يسمع تلك الشهادات منهم في فترات خاصة في «مكة» و «يثرب» و «بصرى» و «الشام» وغيرها ، وعلى ذلك فكيف يمكن أن يكون غافلاً عن الكتاب الذي ينزل إليه ، أو يكون مجانباً عن الإيمان بوجوده سبحانه وتوحيده ، والتاريخ المسلّم الصحيح يؤكد على عدم صدق ذلك الاستظهار ، وعلى ضوء هذا ، لا بد من إمعان النظر في مفاد الآية كما لا بد في تفسيرها من الاستعانة بالآيات الواردة في ذلك المساق فنقول :
بعث النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ لهداية قومه أوّلاً ، وهداية جميع الناس ثانياً ـ بالآيات والبيّنات ، وأخص بالذكر منها : كتابه وقرآنه (معجزته الكبرى الخالدة) الذي بفصاحته أخرس فرسان الفصاحة ، وقادة الخطابة ، وببلاغته قهر أرباب البلاغة وملوك البيان ، وخلب عقولهم وقد دعاهم إلى التحدي والمقابلة ، فلم يكن الجواب منهم إلّا إثارة التهم حوله ، فتارة قالوا : بأنّه (يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) ، وأُخرى بأنّه (إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ) ، وثالثة : بأنّه (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) ، قال سبحانه ردّاً على هذه التهم التي أوعزنا إليها : (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى