عليه وإن كان الاستثناء متصلاً ، وهذا الوجه بعيد أيضاً لكون المستثنى منه محذوفاً مفهوماً من الجملة على خلاف الظاهر ، وإنّما يصار إليه إذا لم يصح إرجاعه إلى نفس الجملة الواردة في نفس الآية كما سيبيّن في الوجه الثالث.
٣. أن يكون «إلّا» استثناء من الجملة السابقة عليه ، أعني قوله : (وَما كُنْتَ تَرْجُوا) ويكون معناه : ما كنت ترجوا إلقاء الكتاب عليك إلّا أن يرحمك الله برحمة فينعم عليك بذلك ، فتكون النتيجة : ما كنت ترجو إلّا على هذا (١) ، فيكون هنا رجاءٌ منفي ورجاءٌ مثبت أمّا الأوّل : فهو رجاؤه بحادثة نزول الكتاب على نسج رجائه بالحوادث العادية ، فلم يكن ذاك الرجاء موجوداً ، وأمّا رجاؤه به عن طريق الرحمة الإلهية فكان موجوداً ، فنفي أحد الرجاءين لا يستلزم نفي الآخر ، بل المنفي هو الأوّل ، والثابت هو الثاني ، وهذا الوجه هو الظاهر المتبادر من الآية ، وقد سبق منّا أنّ جملة (ما كُنْتَ) وما أشبهه تستعمل في نفي الإمكان والشأن ، وعلى ذلك يكون معنى الجملة : لم تكن راجياً لأن يلقى إليك الكتاب وتكون طرفاً للوحي والخطاب إلّا من جهة خاصة ، وهي أن تقع في مظلة رحمته وموضع عنايته فيختارك طرفاً لوحيه ، ومخاطباً لكلامه وخطابه ، فالنبي بما هو إنسان عادي لم يكن راجياً لأن ينزل إليه الوحي ويلقى إليه الكتاب ، وبما أنّه صار مشمولاً لرحمته وعنايته وصار إنساناً مثالياً قابلاً لتحمل المسئولية وتربية الأُمّة ، كان راجياً به ، وعلى ذلك فالنفي والإثبات غير واردين على موضع واحد.
فقد خرجنا بفضل هذا البحث الضافي أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان إنساناً مؤمناً موحداً عابداً لله ساجداً له قائماً بالفرائض العقلية والشرعية ، مجتنباً عن المحرمات ، عالماً بالكتاب ، ومؤمناً به إجمالاً ، وراجياً لنزوله إليه إلى أن بُعثَ لإنقاذ البشرية عن
__________________
(١). مفاتيح الغيب : ٦ / ٤٩٨.