استدل الخصم بأنّ ظاهر الآية نفي علمه بإلقاء الكتاب إليه ، فلم يكن النبي راجياً لذلك واقفاً عليه.
أقول : توضيح مفاد الآية يتوقف على إمعان النظر في الجملة الاستثنائية ، أعني قوله : (إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) حتى يتضح المقصود ، وقد ذكر المفسرون في توضيحها وجوهاً ثلاثة نأتي بها :
١. انّ «إلّا» استدراكية وليست استثنائية ، فهي بمعنى «لكن» لاستدراك ما بقي من المقصود.
وحاصل معنى الآية : ما كنت يا محمد ترجو فيما مضى أن يوحي الله إليك ويشرّفك بإنزال القرآن عليك ، إلّا أنّ ربك رحمك وأنعم به عليك وأراد بك الخير ، نظير قوله سبحانه : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) (١) ، أي ولكن رحمة من ربك خصّك بها ، وهذا هو المنقول عن الفراء (٢) ، وعلى هذا لم يكن للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أيُّ رجاء لإلقاء الكتاب إليه وإنّما فاجأه الإلقاء لأجل رحمة ربّه ، ولكن لا يصار إلى هذا الوجه إلّا إذا امتنع كون الاستثناء متصلاً لكون الانقطاع على خلاف الظاهر.
٢. أن يكون «إلّا» للاستثناء لا للاستدراك ، وهو متصل لا منقطع ، ولكن المستثنى منه جملة محذوفة معلومة من سياق الكلام ، وهو كما في الكشاف : «وما ألقى إليك الكتاب إلّا رحمة من ربك» (٣) ، أي لم يكن لإلقائه عليك وجه إلّا رحمة من ربك ، وعلى هذا الوجه أيضاً لا يعلم أنّه كان للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم رجاء لإلقاء الكتاب
__________________
(١). القصص : ٤٦.
(٢). مجمع البيان : ٤ / ٢٦٩ ؛ مفاتيح الغيب : ٦ / ٤٠٨.
(٣). الكشاف : ٢ / ٤٨٧ ـ ٤٨٨.