يَعْمَلُونَ) (١) تفيد الآية انّهم في إمكانهم أن يشركوا بالله وإن كان الاجتباء أو الهدى الإلهي مانعاً من ذلك ، وقوله : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) (٢) ، إلى غير ذلك من الآيات.
فالإنسان المعصوم إنّما ينصرف عن المعصية بنفسه وعن اختياره وإرادته ، ونسبة الصرف إلى عصمته تعالى كنسبة انصراف غير المعصوم عن المعصية إلى توفيقه تعالى.
ولا ينافي ذلك أيضاً ما يشير إليه كلامه تعالى وتصرح به الأخبار من أنّ ذلك من الأنبياء والأئمّة بتسديد من روح القدس ، فإنّ النسبة إلى روح القدس ، كنسبة تسديد المؤمن إلى روح الإيمان ، ونسبة الضلال والغواية إلى الشيطان وتسويله ، فإنّ شيئاً من ذلك لا يخرج الفعل عن كونه فعلاً صادراً عن فاعله مستنداً إلى اختياره وإرادته فافهم ذلك.
نعم هناك قوم زعموا أنّ الله سبحانه إنّما يصرف الإنسان عن المعصية لا من طريق اختياره وإرادته بل من طريق منازعة الأسباب ومغالبتها بخلق إرادة أو إرسال ملك يقاوم إرادة الإنسان فيمنعها عن التأثير أو يغير مجراها ويحرفها إلى غير ما من طبع الإنسان أن يقصده كما يمنع الإنسان القوي ، الضعيف عما يريده من الفعل بحسب طبعه.
وبعض هؤلاء وإن كانوا من المجبرة لكن الأصل المشترك الذي يبتني عليه نظرهم هذا وأشباهه : انّهم يرون انّ حاجة الأشياء إلى البارئ الحق سبحانه إنّما هي في حدوثها ، وأمّا في بقائها بعد ما وجدت فلا حاجة لها إليه فهو سبحانه سبب في عرض الأسباب ، إلّا أنّه لما كان أقدر وأقوى من كل شيء كان له أن يتصرف في
__________________
(١). الأنعام : ٨٧ ـ ٨٨.
(٢). المائدة : ٦٧.