العلم ، والعمل به ، وإعلام الناس بذلك ، مراحل ثلاث لا دخل لكلِّ مرحلة بالأُخرى ، ولا يستلزم العلم بالشيء وجوب العمل على طبقه ، ولا ضرورة الإعلام به ، ولكلٍّ منها جهاتٌ مقتضيةٌ ووجوهٌ مانعةٌ لا بُدَّ من رعايتها ، وليس كلّما يُعلم يُعمل به ، ولا كلّما يعلم يُقال.
قال الحافظ الأُصولي الكبير الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الشهير بالشاطبي المتوفّى ٧٩٠ ه في كتابه القيِّم (الموافقات في أُصول الأحكام) ج ٢ ص ١٨٤ : لو حصلت له مكاشفة بأنَّ هذا المعيَّن مغصوبٌ أو نجسٌ ، أو أنَّ هذا الشاهد كاذبٌ ، أو أنَّ المال لزيد ، وقد تحصّل (للحاكم) بالحجّة لعمرو ، أو ما أشبه ذلك ، فلا يصحُّ له العمل على وفق ذلك ما لم يتعيّن سببٌ ظاهرٌ ، فلا يجوز له الانتقال إلى التيمّم ، ولا ترك قبول الشاهد ولا الشهادة بالمال لذي يدٍ على حال ، فإنّ الظواهر قد تعيَّن فيها بحكم الشريعة أمرٌ آخر ، فلا يتركها ، اعتماداً على مجرَّد المكاشفة أو الفراسة ، كما لا يعتمد فيها على الرؤيا النوميّة ، ولو جاز ذلك لجاز نقض الأحكام بها وإن ترتبت في الظاهر موجباتها ، وهذا غير صحيح بحال فكذا ما نحن فيه ، وقد جاء في الصحيح : «إنَّكم تختصمون إليّ ، ولعلَّ بعضكم أن يكون ألحن بحجّته من بعض فأحكم له على نحو ما أسمع منه» (١) الحديث.
__________________
(١) صحيح البخاري ٣ : ٢٣٥ ، مسند أحمد بن حنبل ٦ : ٢٠٣ ، كنز العمال ٥ : ٨٤٧ / ١٤٥٣٦.