فقيَّد الحكم بمقتضى ما يسمع وترك ما وراء ذلك ، وقد كان كثيرٌ من الأحكام التي تجري على يديه يطّلع على أصلها وما فيها من حقٍّ وباطل ، ولكنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام لم يحكم إلّا على وفق ما سمع ، لا على وفق ما علم (١) وهو أصلٌ في منع الحاكم أن يحكم بعلمه ، وقد ذهب مالك في القول المشهور عنه : أنّ الحاكم إذا شهدت عنده العدول بأمر يعلم خلافه ، وجب عليه الحكم بشهادتهم إذا لم يعلم تعمّد الكذب ، لأنّه إذا لم يحكم بشهادتهم كان حاكماً بعلمه ، هذا مع كون علم الحاكم مستفاداً من العادات التي لا ريبة فيها لا مِن الخوارق التي تداخلها أُمور ، والقائل بحصّة حكم الحاكم بعلمه فذلك بالنسبة إلى العلم المستفاد من العادات لا من الخوارق ، ولذلك لم يعتبره رسول الله صلىاللهعليهوآله وهو الحجّة العظمى.
إلى أن قال : في ص ١٨٧. إنّ فتح هذا الباب يؤدِّي إلى أن لا يُحفظ ترتيب الظواهر ، فإنَّ من وجب عليه القتل بسببٍ ظاهرٍ فالعذر فيه ظاهرٌ واضحٌ ، ومن طلب قتله بغير سبب ظاهر بل
__________________
(١) قال السيد محمد الخضر الحسين التونسي في تعليق الموافقات : لا يقضي عليه الصلاة والسلام بمقتضى ما عرفه من طريق الباطن كما حكى القرآن عن الخضر عليهالسلام ، حتى يكون للامة في أخذه بالظاهر أسوة حسنة. إلى أن قال : والحكم بالظاهر وإن لم يكن مُطابقاً للواقع ليس بخطإ ، لأنه حكم بما أمر الله.