بمجرَّد أمرٍ غيبيٍّ ربَّما شوَّش الخواطر وران على الظواهر ، وقد فُهِمَ من الشرع سَدّ هذا الباب جملة ، ألا ترى إلى باب الدعاوى المستند إلى أنَّ البيِّنة على المدَّعي واليمين على من أنكر ، ولم يُستثن من ذلك أحدٌ حتّى أنَّ رسول الله صلىاللهعليهوآله احتاج إلى البيِّنة في بعض ما أُنكر فيه ممّا كان اشتراه فقال : «مَن يشهد لي»؟ حتّى شهد له خزيمة بن ثابت فجعلها الله شهادتين. فما ظنّك بآحاد الأُمَّة ، فلو ادَّعى أكبر الناس على أصلح الناس لكانت البيِّنة على المدَّعي واليمين على من أنكر ، وهذا من ذلك والنمط واحدٌ ، فالاعتبارات الغيبيَّة مهملةٌ بحسب الأوامر والنواهي الشرعيَّة.
وقال في ص ١٨٩ : فصلٌ : إذا تقرّر اعتبار ذلك الشرط فأين يسوغ العمل على وفقها؟ فالقول في ذلك : إنّ الأُمور الجائزات أو المطلوبات التي فيها سعة يجوز العمل فيها بمقتضى ما تقدَّم وذلك على أوجه :
أحدها : أن يكون في أمرٍ مباحٍ ، كأن يرى المكاشف أنَّ فلاناً يقصده في الوقت الفلاني أو يعرف ما قصد إليه في إتيانه من موافقةٍ أو مخالفةٍ ، أو يطَّلع على ما في قلبه من حديث أو اعتقادٍ حقٍّ أو باطلٍ وما أشبه ذلك ، فيعمل على التهيئة له حسبما قصد إليه أو يتحفَّظ من مجيئه إن كان قصده بشرٍّ ، فهذا من الجائز له كما لو رأى رؤيا تقتضي ذلك ، لكن لا يُعامله إلّا بما هو مشروعٌ كما تقدَّم.