الثاني : أن يكون العمل عليها لفائدةٍ يرجو نجاحها ، فإنَّ العاقل لا يدخل على نفسه ما لعلّه يخاف عاقبته ، فقد يلحقه بسبب الالتفات إليها أو غيره ، والكرامة كما أنَّها خصوصيّةٌ كذلك هي فتنةٌ واختبارٌ لينظر كيف تعملون ، فإن عرضت حاجةٌ أو كان لذلك سببٌ يقتضيه فلا بأس. وقد كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يخبر بالمغيَّبات للحاجة إلى ذلك ، ومعلومٌ أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام لم يخبر بكلِّ مغيَّب اطَّلع عليه ، بل كان ذلك في بعض الأوقات وعلى مقتضى الحاجات ، وقد أخبر عليه الصَّلاة والسَّلام المصلّين خلفه : أنَّه يراهم من وراء ظهره. لما لهم في ذلك من الفائدة المذكورة في الحديث ، وكان يمكن أن يأمرهم وينهاهم من غير إخبار بذلك ، وهكذا سائر كراماته ومعجزاته ، فعمل أُمَّته بمثل ذلك في هذا المكان أولى منه في الوجه الأوَّل ، ولكنَّه مع ذلك في حكم الجواز ، لما تقدَّم من خوف العوارض كالعجب ونحوه.
الثالث : أن يكون فيه تحذيرٌ أو تبشيرٌ ، ليستعدَّ لكلٍّ عدَّته ، فهذا أيضاً جائزٌ ، كالإخبار عن أمرٍ ينزل إن لم يكن كذا ، أولا يكون إن فعل كذا فيعمل على وفق ذلك ... إلى آخره.
فهلّا كان من الغيب نبأ ابني نوح ، وأنباء قوم هود وعاد وثمود ، وقوم إبراهيم ولوط ، وذكرى ذي القرنين ، ونبأ مَن سلف من الأنبياء والمرسلين؟!