الأزليِّ الأبديِّ وبين الحادث الموقَّت ، ولا بين التأصليِّ وبين المكتسب من الغير ، كما لا يُقاس العلم النبويُّ بعلم غيره من البشر ، لاختلاف طُرق علمهما ، وتباين الخصوصيّات والقيود المتَّخذة في علم كلٍّ منهما ، مع الاشتراك في إمكان الوجود ، بل لا مقايسة بين علم المجتهد وبين علم المقلّد فيما عملا من الأحكام الشرعيَّة ولو أحاط المقلّد بجميعها ، لتباين المبادئ العلميَّة فيهما.
فالعلم بالغيب على وجه التأصّل والإطلاق من دون قيد بكمٍّ وكيفٍ كالعلم بالشهادة على هذا الوجه إنّما هما من صفات الباري سبحانه ، ويخصّان بذاته لا مطلق العلم بالغيب والشهادة ، وهذا هو المعنيُّ نفياً وإثباتاً في مثل قوله تعالى : (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ) «النمل ٦٥» ، وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) «فاطر ٣٨» ، وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) «الحجرات ١٨» ، وقوله تعالى : (ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) «الجمعة ٨» ، وقوله تعالى : (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) «السجدة ٦» وقوله تعالى : (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) «التغابن ١٨» ، وقوله تعالى حكايةً عن نوح : (لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ) «انعام ٥٠ ، هود ٣١» ، وقوله تعالى حكايةً : (لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ) «الأعراف ١٨٨».