وبهذا التفصيل في وجوه العلم يُعلم عدم التعارض نفياً وإثباتاً بين أدلَّة المسألة كتاباً وسُنّة ، فكلُّ من الأدلَّة النافية والمثبتة ناظرٌ إلى ناحيةٍ منها ، والموضوع المنفيُّ من علم الغيب في لسان الأدلَّة غير المثبت منه ، وكذلك بالعكس. وقد يوعز إلى الجهتين في بعض النصوص الواردة عن أهل بيت العصمة عليهمالسلام ، مثل قول الإمام أبي الحسن موسى الكاظم عليهالسلام مجيباً يحيى بن عبد الله بن الحسن لَمّا قاله : جعلت فداك انَّهم يزعمون أنّك تعلم الغيب؟ فقال عليهالسلام : «سبحان الله ، ضع يدك على رأسي فو الله ما بقيت شعرةٌ فيه ولا في جسدي إلّا قامت» ، ثمّ قال : «لا والله ما هي إلّا وراثة عن رسول الله صلىاللهعليهوآله» (١).
وكذلك الحال في بقيَّة الصفات الخاصّة بالمولى العزيز سبحانه وتعالى ، فإنّها تمتاز عن مضاهاة ما عند غيره تعالى من تلكم الصفات بقيودها المخصّصة ، فلو كان عيسى على نبيِّنا وآله وعليهالسلام يُحيي كلَّ الموتى بإذن الله ، أو كان خَلق عالماً بشراً من الطين باذن ربِّه بدل ذلك الطير الذي أخبر عنه بقوله : (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ) «آل عمران ٤٩» ، لم يكن يُشارك المولى سبحانه في صفته الإحياء والخلق ،
__________________
(١) أخرجه شيخنا المفيد في المجلس الثالث من أماليه «المؤلِّف».
أنظر الطبعة المحققة في الامالي ص ٢٣ حديث ٥.