وأمّا إذا استعمل في المعنى الثاني أي فيما يكون وصفاً للشيء بلا علاقة له بشيء آخر فيكتفي بمفعول واحد ، قال سبحانه : (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى) (الأعلى / ٢) ، وقال سبحانه : (بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) (القيامة / ٤) ، وقال سبحانه : (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) (الحجر / ٢٩) ، ففي جميع هذه الموارد يراد من التسوية كونها وصفاً للشيء بما هو هو ، وهو فيها كناية عن كمال الخلقة بعيدة عن النقص والاعوجاج.
هذا هو مفهوم اللفظ لغةً ، وهلم معي ندرس الحديث وأنّه ينطبق مع أيٍّ من المعنيين.
نلاحظ أنّه تعدّى إلى مفهومٍ واحد ، ولم يقترن بالباء ، فهو آية أنّ المراد هو المعنى الثاني ، وهو تسطيح الأرض في مقابل تسنيمه ، وبسطه في مقابل اعوجاجه لا مساواته مع الأرض ، وإلّا كان عليه عليهالسلام أن يقول : سوّيته بالأرض ، ولم يكتف بقوله سوّيته.
أضف إلى ذلك أنّ ما ذكرناه هو الذي فهمه شرّاح الحديث ويكون دليلاً على أنّ التسطيح سنّة والتسنيم بدعة وأمر عليّ عليهالسلام أن تكافح هذه البدعة ويسطّح كلّ قبر مسنّم ، وإليك ذكر نصوصهم : قال القرطبي في تفسير الحديث : قال علماؤنا : ظاهر حديث أبي الهياج منع تسنيم القبور ورفعها وأن تكون واطئة (١).
أقول : إنّ دلالة الحديث على منع تسنيم القبور ظاهر ، وأمّا دلالتها على عدم ارتفاعها كما هو ظاهر قوله «ومنع رفعها» فغير ظاهر ، بل
__________________
(١) القرطبي ، التفسير ٢ : ٣٨٠ تفسير سورة الكهف.