الدلالة على الإحاطةِ والجمع كما أن كِلاَ لفظة صيغتْ الدلالة على التثنية وليس كِلاَ من لفظ كُلّ وسأُريك ذلك كلَّه إن شاء الله تعالى. وبعض لفظة صيغت للدلالة على الطائفة لا على الكل فهاتانِ اللفظتانِ دالتان على معنى العموم والخصوص وكُلُّ نهايةٌ في الدلالة على العموم وبَعْضٌ ليست بنهاية في الدلالة على الخصوص ألا ترى أنها قد تقع على نصف الكل وعلى ثلاثة أرباعه وعلى معظمه وأكثره وبالعموم فإنها تقع على الشيء كله ما عدا أقَلّ جُزْءٍ منه وقد بَعَّضْتُ الشيءَ فَرَّقْتُ أجزاءهَ وتَبَعَّضَ هو ويكون بعضٌ بمعنى كُلٍّ كقوله :
أو يَعْتَلِقْ بعضَ النُّفوسِ حِمامُها
فالموتُ لا يأخذ بعضاً ويَدَعُ بعضا ومن العرب من يِزَيدُ بعضا كما يزيد ما كقوله تعالى : " يُصِبْكُمْ بَعْضُ الذَّي يَعِدُكُمْ " حكاه صاحب العين وهذا خطأ لان بعضا اسم والأسماء لا تزاد فإما هو وأخواتها التي للفصل فإنما زيدت لمضارعة الضمير الحرفَ وقد أنْعَمْتُ شرحَ هذا عند الردِّ على أبي إسحاق في قوله عز وجل : " مَثَلُ الجَنَّةِ " ونحنُ آخذون في تبيين كُلٍّ ومُقَدِّمون لها على بَعْضٍ لفَضْلِ الأعَمِ على الأخَصِّ فأقول. إن كُلاًّ لفظٌ واحد ومعناه جميعٌ ولهذا يحمل مرة على اللفظ ومرة على المعنى فيقال كُلُّهم ذاهبٌ وكلهم ذاهبون وكل ذلك قد جاء به القرآنُ والشعرُ ويُحْذف المضافُ إليه فيقال كُلُّ ذاهبٌ وهو باق على معرفته وبَعْضٌ يجري هذا المجرى وإليهما أومأ سيبويه حين قال هذا باب ما ينتصب خبره لأنه قبيح أن يكون صفةً وهي معرفةٌ لا توصف ولا تكون وصفا وذلك قولك مررتُ بكلٍّ قائما وببعضٍ جالسا وإنما خُروجهما من أن يكونا وصفا أو موصوفين لأنه لا يَحْسنُ لك أن تقول مررت بكلٍّ الصالحين ولا بِبَعْضٍ الصالحين قَبُحَ الوصفُ حين حذفوا ما أضافوا إليه لأنه مخالفٌ لما يضاف إليه شاذٌّ منه فلم يجر في الوصف مجراه كما أنهم حين قالوا يا أبتاه فخالفوا ما فيه الألف واللام لم يصلوا ألفه وأثبتوها وصار معرفة لأنه مضاف إلى معرفة كأنك قلتَ مررتْ بكُلِّهم وببعضهم ولكنك حذفتَ ذلك المضافَ إليه فجاز ذلك كما جاز لاَهِ أَبُوكَ فحذفوا الألفَ واللامين وليس هذا طريقةَ الكلام