فيما ذهب إليه من جُمَعَ في كتابه فيما لا ينصرف وهذا لفظه. قال : الأصل في جَمْع جَمْعَاءَ جُمْعٌ مثل حَمْراء وحُمْرٌ ولكن حُمْر نكرة فأرادوا أن يُعْدَلَ إلى لفظ المعرفة فعُدِلَ فُعْلٌ إلى فُعَل. قال أبو علي : وليس جَمْعاءُ مثلَ حَمْراءَ فيلزم أن يُجْمَعَ على حُمْرٍ كما أن أَجْمَعَ ليس مثلَ أَحْمر وإنما جَمْعاءُ كطَرْفاءَ وصَحْراءَ كما أن أَجْمَعُ كأحْمد بدلالة جَمْعِهم له على حَدِّ التثنية فقد ذهب في هذا القول عن هذا الاستدلال وعن نص سيبويه في هذا الجنس أنه لا يجمعُ هذا الضربَ من الجَمْع وعما نَصَّ على هذا الحرف بعينه حيث قال وليس واحدٌ منهما يعني من قولك أجمع وأكتعُ إنما وُصِفَ بهما معرفةٌ فلم ينصرفا لأنهما معرفةٌ وأجمعُ هنا معرفةٌ بمنزلة كُلُّهم انقضى كلام سيبويه وما يَجْري هذا المَجْرَى مما يَتْبَعُ أجمعون كقولك أكتعون وأبْصعون وأبتعون وكذلك المؤنثُ والاثنانِ والجميعُ في ذلك حُكْمُه سواءٌ والقولُ فيه كالقول في أجمعين وكلُّه تابعٌ لأجمعين لا يتكلم بواحدٍ منهنَ مُفْردا وكُلُّها تَقْتَضي معنى الإحاطة. ومما يدل على معنى الإحاطة قاطبةً وطُرّاً والجَمَّاءَ الغَفِيرَ ونحن آخذون في تبيين ذلك إن شاء الله تعالى اعلم أن الجَمَّاءَ هي اسم والغَفِيرَ نعتٌ لها وهو بمنزلة قولك في المعنى الجَمُّ الكثير لأنه يراد به الكثرةُ والغَفِيرَ يرادُ به أنهم قد غَطّوا الأرض من كثرتهم غَفَرْتُ الشيءَ إذا غَطَّيتْه ومنه المِغْفَرُ الذي يوضع على الرأس لأنه يُغَطيه ونصبه في قولك مررتُ بهم الجَمَّاءَ الغَفِيرَ على الحال وقد علمنا أن الحال إذا كان اسما غير مصدر لم يكن بالألف واللام فأخرجَ ذلك سيبويه والخليلُ أن جَعَلا الغفيرَ في موضع العِراكَ كأنك قلتَ مررتُ بهم الجُمومَ الغُفْرَ على معنى مررت بهم جامِّين غافِرِين للأرض أي مُغَطيِّن لها ولم يذكر البصريون أنهما يستعملان في غير الحال وذكر غيرهم شِعَّرا فيه الجَمَّاءُ الغِفيرُ مرفوع وهو قول الشاعر :
صَغيرُهُمُ وشَيْخُهُمُ سَواءٌ * هُمُ الجَمَّاءُ في اللُّؤْمِ الغَفيرُ
وأما قولُهم مررتُ بهم قاطبةً ومررت بهم طُرّاً فعلى مذهب سيبويه والخليل هما في موضع مصدرين وإن كانا اسمين وذلك أن قاطبةَ وإن كان لفظهُا لفظَ الصفات