من عذابه من لم يَسْتَحِقَّه كما أن المعنى في الأوّل أن العبادة تَجِبُ له فإن قلتَ فأَجِزِ الحالَ عنه وتَعَلُّقَ الظرفِ به كما يجوز ذلك في المصادر فإن ذلك لا يلزم ألا ترى أنهم قد أَجْرَوا شيئا من المصدر واسمِ الفاعلِ مُجْرَى الأسماء التي لا تُناسب الفعلَ وذلك قولُك للهِ دَرُّكَ وزيدٌ صاحبُ عمرو أما ما حكاه أبو زيد من قولهم تألَّهُ الرجلُ فإنه يحتمل أن يكون على ضربين من التأويل يجوز أن يكون كمُتَعَبِّدٍ والتَّعَبُّدِ ويجوز أن يكون مأخوذا من الاسم دون المصدر على حدّ قولك اسْتحجرَ الطينُ واسْتَنْوَقَ الجملُ فيكون المعنى أنه يفعل الأفعالَ المُقَرِّبةَ إلى الإلهِ والمُسْتَحق بها الثواب وتسمى الشمسُ الإلاهةَ وإلاهةَ وروى لنا ذلك عن قُطْرُب وأنشد قول الشاعر :
تَرَوَحْنَا من اللَّعْباءِ قَصْراً * وأعَجْلَنْا إلاَهةَ أنْ تَؤُوبا
فكأنهم سموها إلاهَةَ على نحو تعظيمهم لها وعبادتهم إياها وعن ذلك نهاهم الله عز وجل وأمرهم بالتوجه في العبادة إليه دون ما خَلَقَه وأَوْجَدَهُ بعد أن لم يكن فقال : " ومِنْ آياتِه الليلُ والنهارُ والشمسُ والقمرُ لا تَسجُدوا للشمسِ ولا للقمرِ واسْجدوا للِه الذِّي خَلَقَهُنَّ " ويدلك على ما ذكرنا من مذهب العرب في تسميتهم الشمس إلاهَةَ أنه غير مصروف فقوي ذلك لأنه منقول إذا كان مخصوصا وأكثر الأسماء المختصة الأعلام منقولةٌ نحو زيد وأسد وما يكَثْرُ تعدادُه من ذلك فكذلك إلهةُ تكون منقولة من إلاهةً التي هي العبادة لما ذكرنا وأنشد البيت المتقدم الذكر :
وأعَجْلَنْا إلاهةَ أن تَؤُوبا
غير مصروف بلا ألف ولام فهذا معنى الإلهِ في اللغة وتفسير ابن عباس لقراءة من قرأ ويَذَرَك والَهَتَك وقد جاء على هذا الحدّ غير شيء. قال أبو زيد : لَقِيتُه نَدَرَي وفي النَّدَرَى وفَيْنَةً والفَينْةَ بعدَ الفَينْةِ وفي التنزيل : " ولا يَغُوثَ ويَعُوقَ ونَسْراً " وقال الشاعر :
أمَا ونِماءٍ لا تَزالُ كأنها * على قُنَّةِ العُزَّى وبالنَّسْرِ عَنْدَما
قال فهذا مِثْلُ ما ذكرنا من إلَهةَ والإلَهةِ في دخول اللام المعرّفة الاسم مرة وسقوطها أخرى فإما من قرأ ويذَرَكَ وآلِهَتَك فهو جمع إلَهٍ كقولك إزارٌ وآزِرةٌ وإناءٌ وآنيةُ